للوطن :
شعار هو لسان حال آلاف العاملين في القطاع الخاص الذين ينامون على وسائد من مسامير في انتظار مصيرهم المجهول.. فبالإضافة للأعداد التي سُرحت، تُعد العدة في مؤسسات إضافية للتسريح تحت ستار الأزمة المالية.. والمفارقة الجديرة بالتأمل هنا أن بعض تلك المؤسسات، في بياناتها المالية وتصريحاتها ومؤتمراتها، تؤكد متانة وضعها المالي، متساوقةً بذلك مع الموقف الرسمي الذي يؤكد أن سياط الأزمة المالية -التي جلدت حتى زيمبابوي- لم تطل البحرين.. ولكنهم -رغم تأكيدهم على الموقف ”المتين”- ماضون في التسريح على قدم وساق بذريعة الأزمة المالية!!!
أرقام المفصولين إلى اليوم ليست معلومة.. كل ما نعرفه أن هناك 237 شكوى لدى الاتحاد العام لعمال البحرين ومؤسسات متزايدة تعد العدة لفصل موظفيها قبل نهاية العام.. وما نود لفت النظر إليه هاهنا هو حقيقة أن الأزمة المالية، في كثير من تلك الحالات، ما هي إلا شماعة للفصل لا أكثر. فالجو العام المتماهي مع الانتهاكات العمالية قاد ببساطة لمزيد من الانتهاكات العمالية.. ولكم على ذلك مثالين: أولهما متعلق بكثير من الشركات والبنوك التي وجدت في الأزمة فرصة لاستبدال موظفيها بآخرين ”أقل كلفةً”!!
فلا أخفيكم أنه -وقبل سنوات- كان موظفو القطاع التجاري قلة وسط طلب عالٍ وهو ما قفز برواتب بعضهم لأرقام فلكية تتجاوز رواتب الوزراء..!! أما الآن وقد أصبحت الجامعات تفرخ خريجين موهوبين يقبلون بالعمل بـ500 دينار ولفترات عمل طويلة، صار أولئك المحنكون ذوو الرواتب الثقيلة مجرد عبء تتحين المؤسسات فرصة التخلص منه.. معضلة هؤلاء واقعاً أقسى من سواهم.. فإمكانية حصولهم -في عمرهم- على وظائف تكاد تكون معدومة.. والرواتب المعروضة عليهم لا تتواءم مع سنوات خبرتهم ولا مع التزاماتهم المعيشية التي كيفوها وفق دخلهم السابق.. أضف إلى ذلك أن المؤسسات الحكومية التي كانت تتباكى على هروب الكفاءات للقطاع الخاص لم تتلقفهم بل سارعت لاستيراد أجانب لسد حاجاتها.. ومن جهتها، لم تتصدَ الحكومة لهذه التسريحات ولم تجد فيها حرجا رغم علمها بعدم وجود خسائر تستلزم فصلهم!!
مثال آخر على الانتهاكات التي جاءت ترقص وسط ”زفة” الأزمة المالية هو ما يتعرض له موظفو شركة ”إس آر تكنيكس” المتخصصة في صيانة الطائرات. فعندما فسخت طيران الخليج عقدها مع شركة اس آر السويسرية ووقعت عقداً جديدا مع شركة سياك السنغافورية لأداء مهماتها.. قدمت الشركة السنغافورية ضمانات لطيران الخليج ووعوداً غليظة لوزارة العمل بنقل جميع موظفي الشركة من البحرينيين للشركة الجديدة للقيام بالأعمال والمهمات نفسها دون المساس بحقوقهم الوظيفية. وقد صرح وزير العمل مراراً بسعادته بهذا الاتفاق الذي كان دعامةً شيد تعاقد ناقلتنا الوطنية مع الشركة عليها.. ولكن ما إن حصحص الحق حتى أدخلت الشركة السنغافورية الأجانب في حياضها وأقصت البحرينيين عبر تقليص رواتبهم وميزاتهم!! ولما أخفقوا في ذلك أقصوا البحرينيين عن المناصب الإدارية جهاراً نهاراً أملاً في ”تطفيشهم”، فلما باءت المحاولات بالفشل امتنعوا -بلا حياء- عن توظيف 50% من الموظفين البحرينيين لاسيما من ذوي الخبرات والمناصب الرفيعة، ضاربين بوعودهم للشركة والعمل عرض الحائط!!
الوضع غير مرتبط بالأزمة المالية، نعود ونكرر، بل بوجود استخفاف واستهانة بالحقوق العمالية والأمن من العقاب والمساءلة هو ما جعل كل هذا ممكناً.. والآن نحن ننتظر من الجهات الحكومية أن تستيقظ و”تحمر” عينها على تلك المؤسسات وإلا.. فلتبشر بموجة تسريحات طاحنة.. وبفوهة جحيم لن تستطيع -حتى الحكومة في مرحلة ما- الجلد للتحكم بها..!!