للوطن :

متثاقلةً دخلتُ منزل محمد الحيان ”رحمة الله عليه” لأجري اللقاء الذي سترونه في الغد.. متثاقلةً؛ لأني أبغض مجالس العزاء مطلقاً، ولا أعرف ما عساني أقول في حضرة الدمع والمرارة وغصة الفراق.. ومتثاقلةً – بشكل خاص- لأني كنت أعي سلفا أن مأساة هذه العائلة أكبر من أن تُروى؛ ولكني وجدت أن قضيته لم تأخذ حقها وحجمها؛ فكان لزاماً أن نعيد طرحها بطريقة تليق بجلال الحدث وعظم المصاب.. 
محمد حيان هذا شاب بحريني مكافح كبقية شبابنا الطيبين.. من أسرة متواضعة رأس مالها في الحياة كرامتها وأيمانها وتماسكها.. وفي ما عدا ذاك الكنز فهم لا يملكون حتى ثمن مكيفات تقيهم سياط قيظ أغسطس..!! عاش عافاً نفسه عن السؤال وهكذا مات.. 

مات بعدما خرج يطلب رزق الله من بحر الله فعاجلته دورية خفر السواحل القطرية بضربة قضت عليه.. ميتمةً ابنتيه اللتين انتظر قدومهما 14 عاماً كان خلالها يحاول وزوجته الإنجاب، فلما تحقق الحلم لم يهنأ بقربهما طويلاً.. فقد رحل عنهما ولم تبلغ أي منهما الثامنة بعد.. 

وكان المشهد الأخير الذي طوى فصول علاقتهما القصيرة للأبد هو صورة طفلته زينب وهي تشد ثياب والدها بقوة وترجوه أن لا يذهب للصيد ذلك اليوم.. وصورته وهو يجثو على ركبته ويقرص خدها الصغير حنانا ويقول:” لن أتأخر؛ سأعود بسمك كثير.. بخير كثير”..
ولو كانت زينب تعلم أن أباها سيذهب ذاك اليوم بلا عودة.. لما تركته يرحل.. 

فيا لِقسوة الإنسان.. ويا لِرخص النفس البشرية التي قد تفقد حياتها من أجل .. حفنة سمك ..!!

بعد خروجه ذلك اليوم، ووفقاً لتصريح الداخلية البحرينية، جرف التيار قارب محمد الحيان للحدود القطرية، وهناك عاجلتهم دورية خفر السواحل القطرية بضربة استهدفت كابينة القيادة، وأدت لقلب القارب عدة مرات، قاذفةً بكل من فيه لرحم البحر. أصيبوا جميعا بإصابات متفرقة بالطبع، ولكنهم سبحوا عائدين لظهر المركب المحطم إلا الفقيد.. الذي لم يمت غرقاً كما صور بعض من نشدوا التستر على حقيقة ما جرى؛ بل قضت عليه الضربة التي شجت رأسه قبل أن تقذفه في عرض البحر.. 

غاصت جثة محمد وعامت لأيام ماجت فيها عائلته ومنطقة سترة بأكملها وأهالي منطقة الشمال في قطر وهم يبحثون عنه..حتى وجده مواطن قطري على الشط..تفاصيل كثيرة سترونها لاحقاً.. تفاصيل مروعة لم تروَ بعد..ولكن السؤال هو:
ماذا فعل محمد الحيان ليستحق الموت بهذه الطريقة البشعة؟!! ماذا فعل الشباب الأربعة الذين كانوا برفقته ليستحقوا السجن والتكبيل والمعاملة القاسية؟! 

إن ما تعرض له هؤلاء هو على الأغلب الأعم وليد تصرفات فردية لا ترتضيها القيادة القطرية ولا شعب قطر الشهم الكريم؛ لذا فإني أسعى منذ أمس الأول للترتيب مع صحيفة قطرية لنشر اللقاء لتصل أصوات أهالي الفقيد للقطريين الذين لن يرتضوا ما جرى لأشقائهم البحرينيين على يد مجموعة لم تراعِ اعتبارات الجيرة والأخوة.. والإنسانية !!

وإن كنا سنوجه أصبعاً لقطر .. فهناك أصابع عدة ستتوجه للحكومة البحرينية التي نسألها هاهنا:
كم مرة تكررت حوادث حجز الصيادين البحرينيين ومراكبهم وتغريمهم مبالغ مالية تصل لـ8 آلاف دينار نتيجة اختراق الحدود القطرية بقصد أو دونما قصد!! 
كم مرة شكا الصيادون من قلب مراكبهم لأنهم قصدوا المصائد التي اعتادوا الصيد فيها منذ عشرات السنين، حتى ذهبت في السنوات الأخيرة للشقيقة قطر، وكم مرة طالبنا بحل الأمر -ودياً – قبل أن يتفاقم؟!

أكان يجب أن تزهق روح ليلتفت للأمر ويتخذ بجدية؟!
يتبع