:للوطن

يُفهم – تماماً- تعاطف وانسجام كثير من الفئات المضطهدة المنهكة من المعاناة المعيشية والإنسانية مع كل دعوة تمرُ�’د – أياً بلغت درجة راديكاليتها- فأنت تضغط على جرح طري عندما تحدِ�’ث الفقير عن تقسيم الثروة.. وعلى وتر ذي شجن عندما تكلِ�’م المظلوم عن العدالة.. في البحرين ليس عليك أن تملك بديلاً ولا حلاً ولا رؤية ولا برنامجاً لتغيير الوضع لتكون معارضاً /مفكراً/ مصلحاً .. كل ما عليك فعله هو أن تصوب رشاش التُ�’هم على الجميع، وتطالب بالقصف.. فما أصعب الغرس والبناء! وما أسهل إشعال الثقاب!
يعرف البحرينيون – ملي�’اً- عمَ�’ نتحدث.. كثير من المعارضين – أفراداً وكيانات- كانوا يجلجلون بشعارات عاطفية ملؤها النقمة على كل شيء.. فلما مكِ�’نوا من القرار اكتشفوا أن الكلام سهل، وجداً.. مقارنةً بالعمل.. كثيرون يروِ�’جون حينئذٍ؛ لأن أولئك المعارضين قد روِ�’ضوا أو باعوا ذممهم وكل هذا وه�’م.. فكل ما في الأمر أن هؤلاء اختبروا حقيقة أن هتافات الشوارع ليست بأجندات وليست ببرامج قابلة للتطبيق على الأرض.. وأن الهتاف بالموت وإسقاط الرؤوس والأنظمة لا يسيِ�’ر بلداً ولا مشروعاً ولا حتى مدرسة!

ثمُ تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم.. مَن�’ لا يريد الإصلاح؟ ومَن�’ لا تؤرقه الملفات التي تدعي حركة حق الوصاية عليها؟! الهموم الوطنية هي ذاتها ما يصدح به إبراهيم شريف وعبدالله الدرازي وعلي سلمان وخليل المرزوق وعادل المعاودة ومحمد خالد وعادل العسومي وغيرهم من ناشطين وصحافيين ومشتغلين بالشأن العام.. كلٌ بمقاربته وكلٌ بأسلوبه.. لا أحد منا راضىً عم�’ا يجري.. كلنا مستاءون من التجنيس السياسي، والتمييز الطائفي، وتواضع صلاحيات ممثلي الشعب، وقسوة الأوضاع المعيشية .. كلنا ناقمون على مطاطية القوانين والتماهي في تطبيقها، وضياع الحقوق، والبطالة، والتمييز في التوظيف، وتقسيم المناصب العامة بناء على الولاء والألقاب لا الكفاءة.. كلنا مغتاظ من الغلاء وسياسات الاستملاك .. ولكن ..
هذا لا يعني أن نحمل ”تنكة” كيروسين ونحرق البلد!! 

أيعني ذلك أن نمشي بماء نار لنرش به وجوه كل مَن�’ لا يرتضي مواقفنا؟! إننا – كلنا- متفقون على ضرورة الإصلاح وحاجة الوضع العام للتطوير والمعالجة وتغيير السياسات والوجوه.. لبعضنا نبرة عالية في مطالبته، ولبعضنا نبرة مسايسة، ولبعضنا نبرة قاسية، ولبعضنا نبرة استعطاف. ولكننا – في الصميم- نحمل الهدف ذاته والحلم ذاته في بحرين أفضل.

قد يجعلنا هذا من شيعة بني سفيان ”وهو المصطلح الجديد الذي خرج به علينا مولانا’ الخواجة مؤخراً” الذي ارتأى أن شطر المجتمع إلى يزيديين وحسينيين ليس بكافٍ أبداً، فتفوَ�’ق على نفسه بأن فتت الحسينيين” الشيعة” أنفسهم إلى شيعة الحسين، وشيعة أبي سفيان الذين هم – وفق تعريفه- من ينتمون إلى مذهب آل البيت وراثياً وعقائدياً، ولكنهم لا يحملون موقفاً سياسياً معادياً للنظام الحاكم، فكل مَن�’ يقف ضد دعوته الرعناء بإسقاط النظام هو مع معسكر يزيد -حتما- وإن كان شيعيا!

بيد أن ما لا يعرفه الخواجة – والمتساوقون مع خطابه – أنه وعلى هذه الأرض ليس هناك يزيديون وحسينيون.. بل هناك شعبٌ متآخ وقيادةٌ.. يختلفون ويتشابكون ويتشارعون – إنما- ضمن البيت الواحد.. نعم: كثيرا ما نتحاور حوار الطرشان، فلا يسمع أحد منا الآخر.. وغالباً يبدو وكأننا لا نتحدث لغة مشتركة؛ لذا لا يفهم الواحد منا الآخر.. اختلفنا كثيراً وسنختلف أكثر، ولكننا سنبقى شركاء في هذا الوطن..لا القيادة تملك تغيير الشعب.. ولا نحن نملك تغيير القيادة، ولا نريد..!

لقد قطعنا شوطاً كبيراً، تذكَ�’روا نعمة الله ولا تجحدوها.. لم نعد مرهوبين بقانون أمن دولة يخطف الشاب من حضن أمة بليل، ولم يعد لعسكر أن يكبلوا صبياً؛ لأنه خربش على حائط، ولم تعد الجوازات تُسحَبُ والمواطن يُمنَعُ من دخول بلده لمجرد أنه قال ما لا يرتضيه مسئول..! قطعنا شوطاً وسنقطع معاً – بإذن الله – أشواطاً.. فلا تسحبونا للمربع الأول بصلافتكم.

– يتبع