:للوطن
تخطئ وزارة الإعلام والمتساوقون مع رؤاها إن خالوا أن إغلاق المواقع الإلكترونية بهذا الشكل الفج سيكفيهم شرها.. أو سيلجم طيش خطابها ويروضه بما تشتهيه أنفس المسؤولين.. فقد أثبتت التجربة أن المنع والمحاربة -سيما غير المدروسة- هي وسيلة لعملقة خطاب من يُمنع وزيادة صيته ورفع مصداقيته وإعطائه دفعة -ولا أقوى- تتخطى سياج الداخل إلى الخارج أيضا!!
كلنا يستطيع تفهم منطلقات قرار الوزارة من زاوية أن كثيرا من المنتديات قد تخطت حدودها بمراحل.. فسمحت لروادها – المفتقدين لمجسات تم�’يز الخطأ من الصواب- أن يقولوا ما يشاؤون بتجرد تام من المنطق وبتحرر لا مثيل له من كل القيم الشرعية والقانونية والاجتماعية.. ولكننا نظلم المنتديات إن اختزلناها في خطاب فئة هوجاء لا بوصلة لها ولا مبدأ.. فهناك من رواد المنتديات من يملك فكراً ورؤىً عقلانية وأصواتا وهموما ومطالب حُق لها أن تُسمع.. فالمنتديات العامة هي متنفس حضاري لما يعتمر في صدر الأغلبية الصامتة وتغييبها مدعاةٌ لاحتقان النفوس وجنوحها للعنف وفق ما تشير إليه أبجديات العلوم السياسية التي تؤكد على أن حرمان الشعب من منافس للتعبير عن الآراء هو مدعاة لانفجارها وتطرفها!!
ثم إن ما يدور في المنتديات – على فجاجته- هو وجه من وجوه المجتمع لا يمكن طمسه وتغييبه.. فمن بوابة تلك المنتديات نسمع عن فكر مغاير وحياة أخرى تعشش بين ظهرانينا. شخصيا.. ورغم أني مستهدفة بشكل مستغرب من بعض المواقع، إلا أني لم أكن يوماً لأدعو إلى غلقها لما تكشفه لنا من واقع ونمط تفكير – وإن كان قبيحاً- لم نكن لنعرف عنه لولا تلكم المواقع!!
لا مراء أن خطاب تلك المواقع يجب أن يُوجه ويضبط بما يتسق مع قيم مجتمعنا.. ولكن الحجب ليس هو الحل.. بل احتواؤها ومناقشتها وحثها على تهذيب خطابها وزيادة عدد مشرفيها لضبط ما يكتب وينشر للتأكد من عدم تعديه للخطوط الحمراء التي يجب على الدولة أن تتقبل أنها ستكون مغايرةً لتلك الخطوط الخانقة التي تفرض على الصحف والصحافيين..!!
وإن كان الحجب فليكن آخر الدواء.. على أن لا يكون بالسيف ولا وفق منطق الحجَ�’اج الثقفي.. وعلى أن لا يكون محكوماً بهوى مسؤول – كبر مقامه أم صغر- بل يجب أن يتم بعد تحذير أصحاب المواقع ومواجهتهم بتجاوزاتهم..أما مفاجأة الجميع -بمن فيهم القائمون على الموقع- بالحجب فتعسفٌ غير مقبول.. وفيه تعالٍ لا يستقيم مع المرحلة التي نعيشها من عمر تجربتنا!!
علماً أن البحرين وعدت مراراً على لسان كبار مسؤوليها أن تتوجه للمنع وفق قرارات قضائية لا إدارية.. وكان آخرها العام الماضي عندما زارت منظمة “مراسلون بلا حدود’’ البلاد والتقت بكبار مسؤوليها الذين استبسلوا في إقناع المنظمة أن الدولة تستهدف المواقع الإباحية وتلك التي تحرض على الكراهية والعنف، إلا أن المنظمة لم تقتنع بذلك وهو ما أثر على موقع البحرين ضمن قائمة الحريات الإعلامية.
نافلة القول أننا نعرف أن فوضى المنتديات يجب أن تُضبط.. وأنه يجب الارتقاء بمستوى التخاطب والحوار فيها بما يتناسب مع المرحلة.. إلا أن ذلك يتأتى عبر الحوار والإصلاح لا البتر والمواجهة.. فالحظر ليس بخيار مطروح في هذه الشبكة.. وإن نجحت الوزارة في تقفي باب وإغلاقه فلن تنجح في تقفي آخر.. في ظل هذه التكنولوجيا التي لا تعترف بالأوامر.. ولا بالقرارات ” الإدارية”