:للوطن

في الموالد والتجمعات الشعبية الشرقية يمارس الحواة لعبة يسمونها الـ’’جلا جلا’’ -تشبه إلى حد كبير ما يُمارس ضد طالبي الخدمات الإسكانية في البحرين- في هذه اللعبة يستخدم الحاوي 3 فناجين طالباً من الزبون وضع عملته النقدية تحت أحدها.. حينها يشرع الحاوي بتحريك الفناجين بسرعة مردداً “جلا جلا جلا’’، فـ (يتدَودَه) صاحب العملة الذي يحاول عبثاً اقتفاء أثر الفنجان الصحيح!! بالطبع حينها يتوقف الحاوي ويطلب من الزبون تخمين الفنجان الرابح.. وقلة هم الذين يحالفهم الحظ فيفلحون!!
وجه الشبه بين تلك اللعبة وخدمات الإسكان في البحرين، أن كليهما يعتمد على الحظ.. فالربح والخسارة غير مؤطرين بقانون واضح.. وكلاهما يعتمد -في امتصاص غضب الطرف المقابل- على “دودهته’’ وتشتيت انتباهه.. فالانتظار الطويل ليس بمعضلة المواطنين الجوهرية مع خدمات الإسكان؛ بل هي استنزاف أعصابه في التوجس من نتيجة هذا الانتظار.. بعض المواطنين كانت لهم طلبات أراض انتظروها في الرخاء لسنوات؛ فلما علا موج الأزمة الإسكانية طالبتهم الوزارة بتغيير طلباتهم من جديد!! وبعض المواطنين عرضت عليهم في السابق وحدات بعيدة عن مناطقهم فرفضوا استلامها، وطولبوا بالانتظار على وعد بوحدة إسكانية قريبة من مناطقهم فخسروا “عنب الشام وبلح اليمن’’!! 

كثيرون انتظروا وحدة سكنية لـ10سنوات و12 سنة، ثم فاجأتهم الوزارة باتصال يخيرون فيه بين استلام شقة تمليك أو الانتظار -لمدة غير معلومة- لاستلام منازل.. وأولئك يخشون -وقلقهم مبرر- أن يرفضوا خيار الشقة الآن “مؤثرين انتظار منزل’’ ليندموا على ذلك لاحقاً عندما تفاجئهم الوزارة بقرار يجبرهم -صاغرين- على القبول بالشقة التي رفضوها قبلاً؛ إنما بعد سنوات إضافية من الانتظار المر�’!! 

ولأنها لعبة “جلا جلا’’ كما أسلفنا؛ فهناك في المقابل من يحصل على وحدة سكنية بعد 4 أو 5 سنوات من الانتظار لاعتبارات مناطقية.. فأهالي المناطق المحاذية للمدن الإسكانية الجديدة يحظون بأولوية الحصول عليها تحت ضغط من نوابهم، الذين يدفعون بخيار توزيع الوحدات حسب المناطق إرضاءً لمرشحيهم رغم ما يحمله ذلك في طياته من ظلم لأصحاب الطلبات المتكدسة..!!

بالطبع في خضم كل هذا توزع وحدات “من تحت الطاولة’’ على غير مستحقيها في قفز واضح على نظام الأقدمية والمناطقية، ويصعب رصد هذه التجاوزات طبعا لغياب نظام واضح.. فعندما تكون الفوضى هي النظام فما من طريقة لمقاضاة الفوضى!! والطريف أن الوزارة تعرض على المواطن بين الحين والآخر “مقترحات من شأنها اختصار معاناته’’ فإن رَفَضَها أتخِذ رفضه مبرراً لتأخير طلبه أكثر، بدعوى أنه رفض ما عُرض عليه من خدمة..!! وليس للمواطن هنا أن يعترض حقاً لأن الوزارة “تدودهه’’ بأنظمتها وقراراتها فيتيه ويختل تقديره لسلامة موقفه!! 

المطلوب من الوزارة، والنواب الذين اكتسبوا بدخولهم البرلمان صفة ممثلي الشعب – كله- لا مناطقهم وحدها.. أن يدفعوا باتجاه خلق نظام واضح تسهل محاسبته ومراقبته.. نظام منصف يتخذ الأقدمية كمعيار، أو يخير المواطن – ابتداءً- بدور حسب المنطقة أو حسب الأقدمية. كما أن مسألة الشقق المربكة برمتها يجب أن تُحسم.. فعلى أي أساس يجبر طالب وحدة سكنية على الرضا بشقة، في حين يمنح آخر “لم ينتظر بقدره’’ وحدة سكنية.. ولأي سبب تتوسع الوزارة في بناء الشقق بهذه الوتيرة رغم رفض الناس لها!! 

قليل من النظام يا وزارة الإسكان.. قليل من العدل يا وزارة الإسكان.. فما عاد الوضع يتحمل كل هذه الفوضى “غير الخلاقة’’!!