: للوطن
وجدت نفسي عشية التصويت على الميثاق في نزاع مع عبرة عنيدة ناكفتني وأنا أرمي بالبطاقة في الصندوق. عبرة جاءت برفقة خاطر مر�’ فذكرني بكل التضحيات التي بذلت لنصل لهذا اليوم وكم الأكف والسواعد التي قطعت لتمهد هذا الدرب؛ الدرب الذي عب�’ده جلالة الملك من خلال الميثاق الذي أراد منه أن يكون عنوان عهد جديد لبحرين جديدة وواقع جديد..
في الغد ستمر بنا الإحتفالية الثامنة على ذاك اليوم وما من شيء يشي بأنها ستختلف عن سابقاتها؛ مبالغة في تصنع الفرح وتمجيد الذكرى من قبل جوقة؛ وندب وتباكي على ”الانتكاسة والنكوص” من قبل الجوقة الأخرى..!! أهازيج ولقاءات مستهلكة العبارات والمعاني تقابلها بيانات لا جديد فيها، ولولا النكاية في الفريق الأول لما سيقت لفرط ما ملها حتى مرددوها..!! فالبحرين ليست لها مناسبات وطنية كباقي الخلق.. مناسباتنا مبتورة وباهتة ككل ما في حياتنا اليوم.. ضاقت بنا البحرين أم ضقنا بها؟!.. لا نعلم.
مثلكم كلكم.. اشعر بغير قليل من الضجر والإحباط من كل هذا الاحتقان.. وكثيرا ما أتلفت فلا يلفحني إلا سموم الكآبة.. الكل متشنج..الكل متوثب للانقضاض على الآخر، وكأن بينهما ثأرا بائتا.. حالة عصيان على كل شيء وأي شيء.. شعرة معاوية في هذا البلد ولو كانت حبلا غليظاً لانقطعت من فرط الشد!!
أقول لا يبدو أن الأمور تتجه إلا لمزيد من السوء.. كل طوبة ثقة تُبنى تعاجلها معاول الهدم.. وضع مزرٍ هو، ولا احد يريد أن يمد يديه لئلا يوصم بالضعف والتهاون.. السلطة تخشى على هيبتها فلا تبادر، والمعارضة تريد إثبات سطوتها فلا تهادن، والشعب يتعسكر ويتخندق تباعاً في جماعاتٍ لسان حالها غير المعلن ”من معي قديس.. ومن ليس معي فهو إبليس”!!
في خضم كل تلك الإحباطات، نقول مازالت ذكرى الميثاق – بالنسبة إلى محدثتكم- نفحة أمل.. مناسبة تذكرنا بأن سلام هذا البلد الداخلي ممكن.. وأن التفاتنا واتفاقنا ممكن.. وأن كل جراح هذا الوطن – وإن غارت واشتد نزفها- قابلة للالتئام.. وأن كل السدود الجليدية قابلة للذوبان.
فأهل البحرين لم يكونوا يوماً أهل عنف.. ولا تجبر فيهم ولا غلواء.. بل هم عاطفيون يميلون كورق الشجر مع كل ريح.. مبادرات دافئة محدودة قادرة على تذويب جليد تكوَ�’ن في عقود- والميثاق هو الدليل- ولكن من يملك الشجاعة ليبادر ويمد يده؟ – هذا هو السؤال- أهي السلطة كما فعلت في الميثاق وجعلت الشعب بأطيافه يهيم بها حباً ويحملها على الأكتاف.. أم هي المعارضة وجمعياتها ومؤسسات المجتمع المدني التي ستقول للسلطة هلمي لصفحة جديدة نكون فيها شركاء لا رعايا ولا أندادا؟..
ما نقوله ليس بحلم بعيد المنال.. وليست إرهاصات رومانسية عيد الحب الذي سيؤاتينا في الغد.. ما نقوله نتاج تجربة مازلت غضة طرية في ذاكرتنا.. قبل 16 من ديسمبر 2000 – بيوم – عندما أصدر جلالة الملك قراراته بعودة الحياة النيابية وإطلاق حزمة من الإصلاحات لم نكن نتخيل إن مبعدينا سيعودون سريعا وان المنسيين في غياهب السجون سيحررون.. قبل ذاك التاريخ – بيوم – لم نكن نتخيل أننا سنحظى بصحافة حرة وببرلمان وبنيابة مستقلة وأرانا الله هذا الفجر.. وكما طلعت علينا شمس الميثاق فبددت غيوم التسعينات.. قد يجمعنا قريبا فجر جديد يقشع عنا هذا القهر وهذا الغضب وهذا الاحتقان..
ارفعوا أكفكم في هذه الجمعة.. ورددوا اللهم آمين.