:للوطن

يخطأ من يظن- والحكومة أولهم- أن واقعة مدينة حمد واقعة عابرة ستنقطع وستندثر ذكراها بإثارة الغبار حول أخبار خلايا إرهابية ”مكونة من شخصين عابثين” أو حتى إعادة تفجير قضية محمومة كقانون الأسرة.. فواقعة مدينة حمد هي إحدى طلائع مستقبل مظلم تجاهلته البلاد طويلا وسدت أذنها بالأسمنت وعينيها بالقذى أملاً في أن تنقشع غمته وتتبدد وحدها؛ بيد أن ما يلوح في الأفق هو تباشير وقائع أكثر درامية وحدةً عن سالفتها.
ولسنا هنا لنلوك الحدث وقد مر�’ عليه أسبوعان؛ بل لنفند ردحاً مما قيل لتهميشه وتهوينه وتسييسه. أولهم ما قيل عن أن الإجرام لا يعترف بالجنسيات وبالأصول وعليه فلا مسوغ من ربط الجرائم الأخيرة – سواء تلك التي وقعت في عسكر والرفاع أو مدينة حمد- بالتجنيس.. ونحن نوافق على ذاك تماماً. فلا جينات إجرامية في نسل بعينة ولكنه الموروث الثقافي والبصمات البيئية التي تترك اوشامها على النفس.. ولنحسم هذه الجدلية نسأل الداخلية التي أكدت في إحصائيتها الأخيرة بأن من جنسوا هم – فقط- 7012 شخصا: ما هي نسبة جرائم المجنسين- قياساً بعددهم الهامشي- مقارنة بجرائم البحرينيين الذين يناهز عددهم النصف مليون نسمة..!! 

وما هي العلاقة بين تزايد الجرائم في الشارع البحريني – رغم نهضة الجاهزية الأمنية- وبين تزايدهم ”هذا مع العلم بأن الإحصائيات غير الرسمية والمعايشة اليومية تنفي واقعية هذا التعداد ملياً”!!

هذا وقيل أيضاً، لتمييع الحدث، أن تحامل البحرينيين على هذه الفئة هو المسبب الأول للتصعيد؛ ومعهم حق.. فشطر واسع من أبناء البلد يعضون الأنامل من الغيظ على ما يعتبرونه اغتصابا لحقهم في العمل والمسكن اللائق وفرص الحياة الكريمة لحساب هؤلاء ”لا منهم بل لحسابهم وهناك فرق”.. فيما كتم الشطر الآخر معاناته طويلاً وداس على الجمر حتى انفجر بعد ان باتت مناطقهم محتلة لا أمان لهم فيها ولا أمن ولا يسلم المرء فيها على عائلته من السرقة والمعاكسات والمضايقات والتهديد.. فكيف لا يتحاملون عليهم وهم المكتوون بلظاهم من كل حدب!!

قيل أيضاً – فيما قيل- ان المعارضة برعونتها وصلافتها هي من دفعت البلاد لهذا المصير فالحكومة ما ”استبسلت” في التجنيس الا لعيون الانتخابات.. ولهذا أن يصحَ – لولا- اننا نعلم ان الحكومة هي من يملك مفاتيح الصناديق وأقفالها.. وهي من يملك تقسيم المناطق على هوى النتائج المأمولة.. فلها، ولها وحدها؛ ان تجعل تعداد منطقة انتخابية في الجنوبية 4200 ناخباً فيما يتجاوز تعداد أخرى في الشمالية 124 ألف ناخب.. ثُم؛ لم تحتاج الحكومة للتجنيس وقد أبتدع مستشاروها المحنكون تقليعة المراكز العامة لدولة بصغر محافظة في بلادهم ليتأتى لهم عبر بوابة تلك المراكز التحكم بنتائج أية دائرة.. فما للمعارضة وأثم التجنيس إلا ترهات يرددها المدنسة أيديهم بخطيئة التجنيس!!

ان الجهات التي فرضت على الشعب البحريني المتعلم المسالم عناصر يطغى فيها الغث على السمين والجاهل على المتنور؛ قد تنكر وتتغاضى طويلاً عن جريرتها بحق هذا الوطن وشعبه.. ولكنها ستضطر للنزول من عليائها يوماً للاعتراف بخطئها التاريخي عندما سمحت لمستشاريها بعجن الخبز المسموم ليقدم لنا لنأكله صاغرين.

والقادم أعظم؛ وليس للحكومة اليوم إلا أن تمارس حقها السيادي في سحب جنسية كل من يتورط -من حديثي التجنيس- بجريمة؛ وليس لنا في المقابل إلا أن نمارس حقنا في المطالبة بسحب الجنسية عمن منحوها اعتباطاً – وقفزاً على القانون- وأن نشبك الأيدي وندعوه تعالى أن يكشف هذه الغمة عن هذا البلد المبتلى.