:للقلب والروح

ليفجر الإنتحاري نفسه يستعد للموت قبلها بأشهر.. لكنه لا يمهل ضحاياه وأحبابهم شهراً.. يوماً.. ساعة.. لتوديع الحياة ومصافحة الموت.. وهذا هو.. الغدر الأكبر.

(1)

أنا ..


لا أرى جيداً بين أنقاض الحطام ..
أشعر..
أشعر أني لم أمت بل استيقظت من المنام ..
أتركوني أستوعب صدمتي.. وأستحضر ما جرى وكان..
تجاوزت الثلاثين ببضعة أعوام..
نسيت عشاء الأمس
ولكني أذكر أني خرجت هذا الصباح دون فطور..
كانت أمي على السجادة ، 
وأختي تتزين بالعطور..
وسط صلاتها أومئت أمي..
كان لديها ما تقول.. 
كانت ستطلب شيئا:
أبتع هذا ، أدفع فاتورة الهاتف.. صلح درج مطبخي المكسور..
سابقت خطواتي كي لا أسمع تبرمها..ولطمت الباب..
عقدت جبينها غضبا وفي يدها المسباح..
يا قاتلي..
هذا كل رماد ما في ذاكرتي
أمي غاضبة وجبينها معقود..
ليتك قبل أن تفتت أشلائي.. أمهلتني دقيقة
لأودع أمي أراضيها..أخبرها بالحقيقة..
أنها كانت – دون إدراكي- أهم من في حياتي،
والحي الوحيد الذي وقف كالطود صامدا وسط منثور ذكرياتي..


(2)

ميساء..

خرجت روحي من جسدي يا هيفاء..
أرى جسدي مقطعاً لأشلاء..
الناس تصرخ ، وأظن القيامة قامت
ورائحة الدم تعبق من ذرات الهواء..
مرعب شكل عظامي ولكني لا أشعر بالألم..
حتى ظهري الذي كنت منه أئن تشافى..
خف وزني..
أنا الآن ريشةٌ تسبح في السماء..
ولن أفتقد من الحياة غيرك، وغير أحفادي يوسف وزهراء..
آآآه يا حب العمر..
أقلت لك مؤخرا أني أحبك يا نعمة الإله ؟
اقلت لك أنك عائلتي.. وكوكبي.. وإمرأة ليس لها مثيل بين النساء..
أتدرين..؟
سأحن لرائحة البهارات العالقة في يديك صباح/مساء
سأحن لشعرك وأنفاسك ولرائحة الحناء..
كنت أتمنى أن نموت معاً..
فلا تتأخري..
فكل حور العين لا يعوضوني عن ضحكتك يا بنت سامراء..

(3)

الحساب..


يا مفجري..
أيها الدعي أبن الدعي..
من قال لك أني أقبل أن تكون هذه نهايتي..؟
وهل سألتني قبل قتلي عن ديني ومذهبي ؟
قل لي يا غبي..
من قال لك أنك بقتلي ترضي النبي ؟
ومن قال لك أنك الله..!
ومن كشف لك عورة ضميري وقالب معتقدي ؟
يوماً ما..
كنت سأعلن التوبة عن ذنوبي..
“خططت” أن أمضي شبابي معربداً..
وأتفرغ في شيخوختي لديني ! 
من أعطاك الحق أن تسلب مني حق التشهد والتوبة ؟!
أي شرعً هذا الذي علمك أن تقيم الحد دون تهمة ؟
عزائي الوحيد..
يا سفاحي الجاهل التعيس..
أني سأواجه عن متع دنيا ربي الحسيب..
سأطلب الغفران.. وأتباكى.. وهو للطامعين بعفوه مجيب..
أما أنت.. فحسابك عجيب وغريب !!

(4)

الحرية..


أمت أم أحلم ..
وكيف مت وأنا لم أتألم ..
ولماذا أرى الدنيا.. وكأنها أجمل..
أشعر أني حر..
أنا أديب معطل من ثمان سنوات- ربما أكثر
توقفت عن عد الأيام لما خطفوا حبيبه العمر
زوجوها صاحب صيدلية..
ألبسوها طرحةً من قهر..
زجوها لفراش الزوجية بعين دامعةً ملطخة بالكحل..
عشت بعدها حطاماً..
أرتشف الكآبة مع شاي الصباح،
وأتلحف بالوحدة ليلا.. لأنام ولا أرتاح..
مفجري .. حررني..
سيفجع أهلي، ستنوح حبيبتي، ستبكي مدينتي..
ولكني سأتحول لذكرى..
تذكرونها في الأعياد..

طلبي الأخير..
خذوا يدي التي هبطت قرب عربة البرتقال..
أدفنوها معي..
فقد كنت موهوبا ومظلوما حياً وميتاً..
في البلاد تقتل الإبداع وتسلب الحياة بفتوة شرعية..


***