:للوطن

عندما يفرق الأب بين الأخوة يا مولاي..تدخل بينهم العداوة والبغضاء، وتنقلب أخوتهم خصومةً وشقاء..
فما بالكم عندما يأتي أب ليعطي احد أبنائه بندقية ويطلب منه توجيهها لصدر أخيه، ويعطيه بعدها شاشةً فضائية.. ليسبه ويزدريه، ويؤجره على تخوين أخيه.. ويكرمه أن كفر�’ه وبالعمالة وصفه !! 

ما في البلاد ليس من فعل الطائفية.. بل قطاف التفرقة بناء على الهوية.. وليسأل العباد ضمائرهم ولا يعلون الكعب عن الحقيقة: هل يعامل البحرينيون معاملة متساوية ؟ أهم حقاً سواسية ؟ قبل فبراير وقبل التسعينات وقبل ثورة إيران التي تتخذونها حجةً.. واهية ؟ 
هل كان البحرينيون يوماً تحت – ظل الحكم- سواسية ؟  
عقود والناس تُظلم ومن حقوقها تُحرم، وعلى القبول بالإجحاف تُجبر، واليوم لما نطقوا ومن حالهم سئموا صاروا هم.. المجرمون الجاحدون !! ألا ساء ما تحكمون !!
 اليوم نكمل ونقول متى بدأت العداوة تتسلل للعقول.. وسنفصل ما حدث بعد يوم الغدر عندما تسلل العسكر على النيام ورشوهم وفرقوهم كالأنعام..
شهرزاد
*****
17 فبراير ” تطهير الدوار”و ” تلويث المجتمع” ..
 لم يكن لبشر أن لا يشعر بالألم لما حدث بعد ذلك الفجر المصطبغ بالدم.. كانت الجروح تنزف وقبور الضحايا ووجنات أخواتهن وأمهاتهن لم تجف بعد حين تبادل الناس التهاني وخرجت مسيرات في الطرقات تحتفل بـ” تطهير الدوار” كما أسمته الداخلية التي اعتبرت المتظاهرين على ما يبدو جراثيم وليسوا بشراً !!
 تلك التصرفات الشامتة المتشفية بدرت من قلة قليلة ، أغلبهم شباب جهلة، ولكن وقعها كان مدوياً.. قد لا يكون إجمالي من تشفوا في القتلى والجرحى كبيرا ولكن صوتاً ما لم يقل لهم ” عيب” وقد ألقت هذه الواقعة بظلالها على علاقات الناس.. كثير من الأصدقاء خسروا أصدقاءهم في ذلك اليوم بالذات.. مواطنون سنة وشيعة تربوا مع بعضهم وأكلوا من صحن واحد وعملوا كتفا بكتف لأعوام ولكن.. عندما وقف البعض موقف المبرر أو اللامبالي من الضرب الوحشي للمعتصمين حدث شقٌ كبير بينهم ولم يكن هذا إلا قمة جبل الجليد.. فهناك سبب أساسي – عمره ستون عاماً أو يزيد- كان قابعاً وراء شقاق البحرينيين في ذلك اليوم الكئيب..
***
كثيرون ينسون/ يتناسون أن السواد الأعظم من العائلات السنية الكريمة لديها قريب من الدرجة الأولى -أو أكثر- في الدفاع أو الداخلية أو الحرس الوطني وغيرها من الوظائف العسكرية التي عمدت السلطة منذ الستينات على حكرها على أبناء الطائفة السنية ” نتحدث هنا عن ما قبل الثورة الإيرانية التي تتذرع بها السلطة لتبرير إقصاء الشيعة عن الوظائف العسكرية، فعدا عدد هامشي جدا من الشيعة – وفي مواقع غير حساسةً عادة- فإن كل الوظائف العسكرية تذهب أما للسنة أو للأجانب بالمناسبة الذين تتجاوز نسبتهم الـ65% في الداخلية وبالتالي.. فإن وصف العسكر في ذلك اليوم ” بالمجرمين والمعتدين والأنذال ” كان مرفوضا بالنسبة للسواد الأعظم من السنة الذين تربوا على توقير وتقدير العسكر؛ والذين انتفض عقلهم الثاوي لفكرة تجريم المؤسسة العسكرية.
 نعم؛ لم تكن النظرة لواقعة 17 فبراير ” الخميس الدامي كما سُمى” متجردةً من نبضات النفس بالنسبة لهم ولو كانت نفس الواقعة، بنفس التفاصيل، حصلت في دولة أخرى لتعاطف معها سنة البحرين واستنكرتها إنسانيتهم ولكن عقلهم الباطن فضل تكذيب وتشويه ما حدث عن الإساءة لمن يحبون.. وهو ما لم يتفهمه الطرف الآخر الذي توقع/ طالب بأن يستنكر باقي البحرينيين ما حدث ويرفضوه. 
لقد انشق المجتمع.. ولو كان ما حدث وقع في دولة أخرى لا تباين مذهبي فيها بل تكتلات قبلية أو عشائرية أو مناطقية لحدث المثل وأكثر.. فقد أسست السلطة لهذا الشقاق منذ زمن طويل عندما جعلت البعض يظن أن المؤسسات العسكرية مرادف ” له” والبعض الآخر يظن أنها ” خصمه”..

****
مجتمعنا.. ينشطر ..
منذ ذلك اليوم أعاد المجتمع تكتله على أساس التعاطف. المعارضون رأوا الخميس الدامي امتداداً للظلم التاريخي لهم من قبل مؤسسة الحكم فيما رفض السنة في البحرين الإساءة للعسكريين الذين نشئوا على تبجيلهم.. بالطبع الجيل الأكبر من المكون السني ، والذي عاصر الخمسينات والستينات ورأى هذا مراراً كان الأكثر تعاطفاً مع المحتجين، الطبقة المثقفة الليبرالية كانت إجمالا كذلك ” حتى تلك المرحلة على ايه حال”.. 
كان الحدث مجلجلا.. وسائل الإعلام الغربية نددت ببشاعة الواقعة وعلى مدار أيام كانت حكومة البحرين تحت ضغط انتقادات حادة من الخارج دفعتها – كردة فعل ربما- للإيعاز لأجهزتها الإعلامية بأن ” تف�’زع” للسلطة وكان تعريفها ” للفزعة” أن تهين الناس في محنتهم وتكذبهم.
“كل ما يقال كذب وتلفيق ومبالغات.. رجال الأمن بواسل والمتظاهرون عملاء للخارج”
كانت تلك هي رسالة إعلامنا الوحيدة التي تقدم كل ساعتين بقوالب مختلفة.. هذه الرسالة لم تم�’ر على المجتمع الدولي الناضج سياسيا ولكن شريحة عريضة في البحرين تشربتها وتبنتها.. كثيرون توقفوا عن تبادل الرسائل والأيميلات والبرودكاست منذ ذلك اليوم.. فأصبحت كل فئة كانت تتداول خطابها فقط.. هؤلاء يعرضون صور أخبار الاعتداءات والضحايا ..والطرف المقابل ينكر ويتندر..
كانت تلك بداية فتنه.. سيشتعل فتيلها تباعا في الأسابيع التالية
****
الواقعة والغدر والقهر رفعوا عزيمة المحتجين وأيقظوا في نفوسهم غريزة البقاء..”سنعود للدوار – كان هذا لسان حالهم – سنعود بأي ثمن”..لا قيمة لأرواحنا تحت سلطة تمتهن كرامتنا وتستبيح أرواحنا – لا حقوقنا فحسب، لم تفلح الدبابات في وقفهم ولم تكن هناك نية لقتل المزيد.. 
****
عاد الناس بإصرار..وبدأت فترة جديدة سموها دولة الدوار.. اختلفت فيها الموازين وغاب عنها الصوت الرزين سأحكيها لكم وقد لا تعجبكم ولكن ها قد شعشع الصباح وسنسكت مؤقتا عن الكلام غير المباح…