:للوطن
نعم يا مولاي الف�’طن .. سُفك الدم على قارعة الوطن.. وقبل أن نكمل فلأحذرك وباقي الأنام من رجال تسبلوا بثوب الإيمان وأفعالهم تخجل الشيطان، يمدحون ما ذم�’ه الله من ظلم، ويذمون ما حس�’نهُ الله من صُلح، هؤلاء الذين يحمون مؤسسة الفساد ويتوعدون بالدم من يطال عرابي السرقات.. رجال دين آخر الزمان الذين يسجدون للسلطان ويدمرون بالوغى الأوطان ويخاطبون في الناس نزغ الجاهلية.. ويكرهون العفو والأصوات الأبية..
ذكروا هؤلاء يا سامعين بيوم التلاق�’ وقولوا لكبيرهم الذي علمهم اللؤم :
ما يُغطي صلاحُ لفظك فساد معناك، وما بقت أمة بين الأمم إلا احتقرت مسعا
ك والى الله منتهاك حيث يحاسبكم أجمعين عن كل فعل مهين ويسألكم: كيف اصطففتم مع من سلب خيرات البلاد ودافعتم عن الفساد وحللتم الظلم الذي حرمت وج�’ملتم العداء والثأر الذي قبحت..؟
والآن نعود لذكرى تلك الليلة التي بدت سرمدية.. فلا الساعات كانت تمشي ولا الدقائق تمر دون أذيه ..
شهرزاد..
******
مشاهد يجب أن تُروى ..
” تحققي من أمر هذه العبوة ” قال لي أحدهم وهو يم�’د عبوة فارغة ” أنه مسيل الدموع منتهي الصلاحية. متأكد أنا.. هذا ما كانوا يفعلونه بنا في التسعينات” قال شاب لم يجاوز العشرين ليهب صديقه له داعماً ” يذبح اقولش يذبح؛ بالله عليش مسيل دموع يخلي كل شي فيك يعور..!! أكيد مليوون في المية منتهية صلاحيته ” على فكره – قال ثالث جاء من العدم- هذا شي محرم دولياً في القانون الدولي الاتفاقيات تقول يعني…، لحظة اسألي فاضل بقولش أحسن.. وين راح فاضل نادوه؟” لم أعرف من هو فاضل ولكني خمنت أنه “العلامة” بين المجموعة..
***
” لازم تتصرفين وياهم أستاذة” – خاطبني آخر وكأني من طواقم الداخلية- ” كنا واقفين نحمل لافتتات ونصلي على النبي ونقول “سليمة سليمة” وهم يتقدمون نحونا ” قال الشاب بانفعال ” عندما أقبلوا علينا جلسنا على الرصيف، ضربونا ونحن جالسين” قال وهو يشوح بيديه مستنكرا..
– ” ولماذا جلستم ولم تفروا ” سألته باندهاش
– هذا هو عرف الإعتصامات السلمية، عندما يأتيك الشرطي تجلس لتريه انك لا تريد المواجهة..
تملكني الحرج لحظتها.. محدثي يبدو وكأنه ممن يتخذون غسل السيارات بمحاذاة المجمعات كمهنة.. ومع ذلك فهو يملك ما لا أملكه من معلومات !!
قد تكون تلك جزئيا هي مشكلة البحرين.. في الهوة الشاسعة بين الوعي السياسي لشباب الشيعة قياساً بأقرانهم من السنة.. لا علاقة للأمر بالجينات ولا بالوراثة.. كل ما في الأمر أن الطائفة الجعفرية في البحرين، التي تشعر بالتهميش والإقصاء، قد وفرت تنشئة سياسية لأطفالها ” ساعدتهم عليها بالمناسبة محاصرات الليل واعتداءات الشرطة المتكررة على قراهم ومناطقهم “.. في الوقت عينه مُورست عملية إقصاء و”تجهيل” حقوقي لأتباع المذهب الأقرب لمؤسسة الحكم واختطف وعيهم السياسي لصالح السلطة التي علمتهم – فقط- ما تريده هي وما يخدم مصالحها هي !!
فالشقاق في البحرين اليوم ليس مذهبيا كما يبدو ولا علاقة له بالعقيدة بل هو سياسي بين فريقين.. أحدهما مؤهل/ محفز/ مستعد لمرحلة الحكومة المنتخبة التي يراها طوق نجاة.. وفريق آخر ول�’ج غمار السياسة قبل 3 أشهر، وأعتمد في معلوماته على ما يلقنه إياه إعلام ورجالات السلطة.. وبالتالي فهو يرفض الحكومة المنتخبة لأنها – كما أخبروه- ستكون وبالا عليه.. كما وأقنعوه أن كل دول العالم تك�’ذب، وكل المنظمات الدولية صفوية مجوسية، وكل اعلاميي ومحللي العالم متآمرون.. ووحدهم “شرفاء البحرين الجدد” هم المصدر المعتمد للمعلومات وبهذا تم استلاب وعي العامة لخدمة كراسي السلطة !!
لقد عُم�’د نصف الشعب في ماء السياسية، وعزل النصف الآخر عن حياض كل ما قد يقود للتمرد على السلطة.. فانشقت البلد بين متمردين و “فداوية” فلله درك يا شعب البحرين.. ما أتعسك..!!
***
” بين دفعتي كان لي زميلات أنا من يدرسهن وأنا الأولى بينهن توظفن جميعاً وبقيت أنا لاعتبارات مذهبية – قالت شابة غاضبة- والدي بح�’ار شاخ على الصيد، وإخواني ” هبابهم” على تحمل أعباء أسرهم، وهئنذا أمامك جامعية أخرج بلا دينار.. دينار واحد في جيبي لأشهر ” قالت والحزن يتلألأ تحت مسحة من القهر..
” أنا شاب في 34 متزوج ولدي طفل أحمل ماجستيراً وأعمل كساعٍ في شركة، لقد كرهت نفسي وحياتي..هذه الثورة يجب أن تستمر.. إلى متى سنعامل كالأغنام ” خاطبني آخر بحزم وأنا أهم بالخروج من المستشفى..
خرجت من المشفى مختنقة بحكايات وآلام الناس، متسائلة كيف يمكن تجاوز هذه التراكمات، وكيف نعيش وسط هؤلاء ولا نرى معاناتهم الشاخصة.. من حقهم أن ينفجروا – هاجست نفسي- لو عاش أي منا ما يعيشون لكان أعنف منهم وأشرس. وهاهم وقد انفجروا الآن فاستقبلت الحكومة انفجارهم بقبضة القمع.. لم يسألوهم لم تثورون.. ومم انتم غاضبون ؟ بل رشوهم بالغازات وحاوروهم بالرصاص وهجموا عليهم كالقطعان !!
****
في اليوم التالي ، ووسط جنازة الفقيد مشيمع سقط شهيد آخر، فاضل المتروك (32 سنة) وألفت الداخلية لتبرير قتله مسرحية لم يصدقها حتى من ألفها.. كان المشهد معقدا ولكنك خرجت يا جلالة الملك معزياً وواعداً بلجنة تحقيق وخرج وزير الداخلية متوعدا بالمتسببين -الذين لازالوا طلقاء بالمناسبة- فبرق لكثير منا الأمل وبدا أن بلسماً ما بُسط على جروحنا ” جروح عائلات الشهداء والثكلى بالطبع ما كانت لتطببها كلمات ولكن الباقون شعروا بأن الجريمة التي حصلت ستُعالج فاستكانت نفوسهم لذلك.. إلا قليلا..
بصيص قال أن الغمة لن تطول.. ولكن الغليان ما كان ليهدأ بالسهولة، زحف الناس بعزم للوصول ” لدوار اللؤلؤ” الذي بدا أقرب مواقع البحرين شبهاً بميدان التحرير المصري.. كانوا يريدون نقطة للتجمع، فتحدوا الدبابات التي نزلت للشوارع بغطرسة.. إحساس بالراحة سرى بين الناس عندما جلسوا على عشب الدوار الأخضر في ربيع فبراير.. “تحاططوا” ووضعوا همومهم مع بعضهما.. إحساس ما بالتعاضد عم الأجواء.. أنت هنا إذن أنت متعاطف معنا، كثيرٌ ممن ذهبوا يومها كانوا من أبناء المحرق وسند وأم الحصم وباقي المناطق السنية.. حتى تلك اللحظة كانت لا توجد هتافات ولا مسرح ولا مطالب واضحة.. فقط مشاعر شفيفة تعم المكان كأنه دفء التواجد مع بعض في حضرة مصاب جل�’ل..
عم�’ الهدوء ولكنه كان هدوءاً غادراً.. فبعد أقل من 52 ساعة ستشهد البحرين فاجعة حقيقية.. حدثاً سيخلده التاريخ للأبد.. طعنة لا تُنسى ربما لأنها.. جاءت من الظهر..
*****
وبعد أن أرعبنا المساء ..
استفتي قلبك يا سامعاه
من أشعل في البلاد الثورة : تعليمات “الفقيه” أم بطش ” الزبانية” !!