:للوطن
هاهم يتداولون الأخبار،عن الأشرار من أهل الدوار، مجرمون هم وليسوا ثوار..
اشنقوهم احبسوهم رحلوهم أصلبوهم وفي الوحل مرغوهم..
أتراهم يعرفون حقاً حقيقة الساعات التي قلبت الرغبات ؟ أيدركون سر�’ تغير الهتاف من إصلاح النظام لإسقاط النظام أم هم يرفضون التحرر من عبودية الأوهام..
لهم ولمليكنا نروي التفاصيل، التي تكشف دور صاحب “الظل الطويل”، في نبش ما دُفن من مواويل..
شهرزاد
****
كانت الساعة قد شارفت على الثامنة في اليوم الموسوم بيوم الغضب والهدوء ما زال سيد الموقف.. بدا وكأن الثورة لن ترى الغد وستموت في المهد لولا أن حدث ما غير مسار كل شيء..
خطة الداخلية في التعامل مع التظاهرات كانت – دوماً- واحدة وكأنها مستلهمةٌ من كتالوج أمني : تفريق المتظاهرين دون إصابات، الترويع بالقنابل الصوتية ومسيلات الدموع وربما القبض على 4 أو 5 من الأتباع – لا القيادات- ولكن القوات خرجت ذلك اليوم بنية أخرى وبأوامر جديدة لذا كان عدد الضحايا مفاجأً. ربما دفع جبروت الثورات العربية أحدهم للقول: فلنقطع دابر أي متمرد يظن أنه سيشعل ثورة بالحديد والنار !!
فهموا درس الثورات بالمقلوب كعادة العسكر الذين يفكرون إجمالا.. بأذرعهم..!!
****
هذه المرة ضرب الشرطة في المليان وكشف فريق منظمة العفو الدولية في البحرين وأقتبس ( وجود نمط لإصابات قاتلة وخطيرة خلال أعمال العنف التي وقعت في فبراير/شباط، يُظهر أن قوات الأمن استخدمت الذخيرة الحية من مسافة قريبة وسدَ�’دت على رؤوس المحتجين وصدورهم وبطونهم)..أنباء الضحايا ملأت الدنيا ضجيجاً بحلول الثامنة مساء، أنباء متضاربة مهو�’لة بفعل الفزع تحدثت عن وفاة 4 متظاهرين دفعتني للتوجه فوراً للمشرحة حيث كانت الكراسي مليء وكان النائب مطر مطر – فك الله أسره- موجوداً مع جمعً من الصحفيين الذين نقلوا في اليوم التالي تقارير مغايرة لما رأيناه !!
****
– أنت لميس ضيف صح؟
– نعم هي ” قلت رداً على سيدة اقتربت مني بهدوء بعباءة رأسها الوقورة
– أنا عمه علي مشيمع.. اللي قتلوه
– تعازي – أومأت برأسي- فتقلصت عضلات وجهها فجأة وانفجرت بالصياح بصوت متحشرج كطفلة تشكو لمعلمتها ” ما سوى شي.. والله العظيم واقف على العتبه مع أخته الصغيرة.. توه كان متعشي مع أمه وأبوه والله واقف ما سوى شي.. مسكين حقويش قتلوه ” كررت العبارة الأخيرة مراراً حتى سحبها أحد أقربائها فيما وقفت واجمة ففي حضرة مواقف كهذه لا توجد كلمات.. ترقى لمقام الجرح..
– كيف كانت شخصية الفقيد ؟ سألت مرافقي وأنا أنتقل لبهو المشفى بعد أن استقيت تفاصيل الواقعة من عم الفقيد وأهله ” كيف كانت حياته” سألت صهره الذي بدا وكأنه السؤال فاجئه “خوش صبي – قال بعد صمت- لم يرى في الدنيا شيئا ولم ينعم بالحياة بعد” ثم تص�’لب وكأنه رأى جنيا وأردف”أتصدقين أنه قال – قبل ٣ أسابيع فقط- أنه يشعرً وان حياته بدأت أخيرا” !
أتراه كان يشعر؟ هل فُتحت له مغالق الحُجب ياترى ؟ طردت الفكرة واستجمعت نفسي لأصمد في هذه الليلة العصيبة.
***
مئات العائلات والأشخاص كانوا قد تجمهروا في ساحة المستشفى حتى بات الحراك صعبا.. كان المكان لازل يعبق بغضب أم الشهيد التي كانت قد وقفت بين الأشهاد، تبكي بلا دموع كاللبوة الجريحة تطلب الثأر من الله..
كلماتها، دعائها الجارح أغاض الكثيرين ولكن جلالتك تتفهم أليس كذلك ؟
أتذكر – جلالتك- عشيه تلقيك لنبأ وفاة أبنك ملائكي الوجه فيصل؟ ذاك الذي نعتهُ كل البحرين وأسفت على شبابه.. أتذكر إحساس فقد ” الضنه” ؟ فلنضف على هذا الإحساس إحساس أن أبن هؤلاء مات قتيلاً، وشمت في موته الآلاف واستحلوا دمه ورددوا “يستاهل”..
نعم هم عوام ومعدمون ودراويش ولكنهم يتقاسمون ذات المشاعر البشرية مع أثرى وجهاء العالم..
لماذا صرخ الناس ” يسقط حمد” يسقط النظام” “يسقط آل خليفة” تتساءلون ؟
لأنهم كانوا مجروحين .. كانوا يتألمون.. كان تسقيط النظام وسيلتهم لمواساة الأم الملكومة وفي ساعات كهذه قد يكفر المرء بخالقه لا بحاكمه فقط.. لقد شعر الحضور يومها أن أبنهم هو الذي قُتل.. وأن أخ أو أبن أو شقيق أحدهم سيكون التالي ولكن هذا لم يكن أسوء ما حصل تلك الليلة..
لقد نكأ الدم الذي سال جروحاً قديمة.. مليء ببطش العسكر ومشاهد عذابات التسعينات.. لقد شعر هؤلاء بالأمان في عهدك ثم اكتشفوا فجأة أن سد�’ الأمان قابل للانهيار دون مقدمات.. كثير ممن التقيتهم يومها كانوا معتقلي التسعينات وذويهم.. أولئك الذين كُسرت آدميتهم بعد أن علقوا لإيام وتبول عليهم السجانون وذلوهم لأشهر وسنوات.. في بعضهم لمحه من الجنون والإرتياب وعدم الاتزان، هم قنابل بشرية موقوتة.. تعرضت للهجوم ليلتها من أحدهم، هكذا وبلا سابق إنذار أقترب مني ووضع أصبعه في وجهي ولوح قائلاً: لو لم تنقلي ما أقوله حرفياً فسأطاردك و”سأرويك” هب من حوله عليه مؤنبين رادعين ” أعذريه أختي – أقترب أحدهم لي هامساً- فقد أخوه في التسعينات وتعذب على يد الجلاد “الفار” حتى جن�’ وكل مشاهد اليوم تعيد في نفسه صور ذلك الماضي القريب، أشرت له بأني أتفهم..
****
هؤلاء هم زرع التسعينات.. كثير منهم أصابتهم درجة ما من العقم النفسي جراء ما مروا به.. لقد طوي ملف التسعينات دون مصالحة ودون محاكمة للجلادين الذين يعيشون برفاه ودع�’ة بيننا فيما يتجرع هؤلاء قيح تلك المرحلة التي ترسبت في نفوسهم الفتيه وقتها.. يتجاهل الكثيرون الرابط بين حركة فبراير ورواسب التسعينات ولكني رأيته – الرابط- شاخصا يومها.. وبدا وكأن عقارب الساعة عادت بالجميع للتسعينات وجروحها. في غمرة هذا الكشف الشخصي لمحته بين الجموع؛ كأنه هو.. نعم أنه هو؛ وليتني ما تذكرته..
قبل سنوات كنت في لجنهً لضحايا التعذيب ودخل شاب طويل حسن الهيئة وطلب من اللجنة إخراجي فيما اعتبرته – وقتها- أمراً مهيناً.. لاحقاً علمت أن هذا الشاب، الذي يقارب عمره عمرى- قد هتك عرضه عدة مرات في المعتقل وهو يعاني من اضطرابات عدة أسوئها عجزه عن النوم أحياناً لأيام متواصلة.. انكسرت عيناه لما لمحني في المستشفى، كان يعلم في قراره نفسه إنني أعلم عن ما يعتبره عاره الشخصي بينما هو عار الجلاوزه والجلادين..
في تلك الليلة – أقول- كانت كل الجروح “مفتوحة” وكانت السماء تقطر ملحاً.. نساء بمد النظر، شبابٌ يائسون هتفوا بحرارة ” يسقط النظام” لا لأنهم يعرفون المملكة الدستورية التي سُتطالب بها المعارضة لاحقا بل ا لأنهم مغتاظون..
هؤلاء هو قطاف التسعينات.. ووحده تعالى من يعلم كيف سيكون قطاف هذه المرحلة التي كانت اشد بطشاً وضراوة من سابقتها !!
****
لم أنتهي – بعد- من رواية التفاصيل وأعذرني على التطويل..
فشهرزاد الجديدة لا تروي روايتها؛ لتنجو برأسها – كسالفتها- بل تريد للناس أن تفهم لتحنو، وعلى هذه الأزمة تخطوا، ومن الفرقة والعداوة تنجو.. ولكن هاقد شعشع الصباح ولنسكت مؤقتاً عن الكلام غير المباح..