للوطن :

ما من أحد في البحرين اليوم لا يشكو المرض والوهن والصداع – حرفياً ما من أحد- الأمراض منتشرة بشكل مدوٍ وغير مسبوق وغير مقروء طبياً.. لم نشهد هذا العام شتاءً؛ ولكن الفيروسات عصفت بالمواطنين و”توحشت” حتى الأمراض العادية ”كالزكام والأنفلونزا مثلاً” لتغدو من الحدة والشدة بمكان لا يمكن معه التعافي منها بسهولة..!! إلى ذلك أُعلنت البحرين، قبل أسابيع قليلة فقط، الأولى عربياً في سرطان الثدي.. ولا ندرى كيف مر�’ خبر كهذا دون أن يزعج أحداً أو يثير تساؤلات معمقة حول سبب هذه ”الأسبقية” المنبوذة!! 

مؤخرا لاحظنا جميعاً انتشار روائح لاذعة في الجو مصحوبة بصفرة أو حمرة.. وفي ندوته الأخيرة؛ وقف الناشط البيئي الكويتي مبارك العجمي وقفة تخاذل عنها جُل�’ ناشطي البيئة في البحرين؛ محاولاً التحذير من مغبة ما يجري جراء تسربات الغازات في المعامير، ولكنه فك – دون نية- الغموض الذي يلف مسببات التزايد المطرد للأمراض وتدني مستوى الصحة في البحرين بشكل عام.. ففي حديثه أكد العجمي؛ أن غازات المعامير وحدها -ناهيكم عن غازات الحد وعسكر- تسبب ”منفردةً” 12 مرضاً!! فقد اتضح أن تلك الملوثات النفاذة، شديدة السمية، التي تتسرب من المعامير باتت تنتشر -بفضل الرياح الشمالية الغربية والشمالية الشرقية- بطول البحرين وعرضها مسببة حزمةً من الأمراض تبدأ بأنيميا الدم والإرهاق والسكر وقصور الغدة الدرقية والأمراض الرئوية كلها وصولاً للتلف العقلي والسرطانات والتأثير على كفاءة الجهاز العصبي والاكتئاب بل والتهابات بطانة الرحم وغيرها من الأمراض التي ذاعت وشاعت في السنوات الأخيرة بشكل مرئي وغير مرئي!! 

لقد مر�’ت البحرين بسنوات من الإنكار والتغاضي عن مشكلة أهالي المعامير الذين تجثم بابكو بملوثاتها على صدورهم بالإضافة لـ130 مصنعاً وورشة لا يلتزمون، ولا يُلزَمون، بأدنى متطلبات السلامة وحماية البيئة. وتغاضت الحكومة طويلا عن مشكلة اعتبرتها حكراً على نفر من المواطنين الذين لا يعرفون أن الاستثمار هو عصب الحياة لا الصحة..! كما وأشاحت الدولة بوجهها بعيداً عن معاناة أهالي الحد وسترة وعسكر التي -وإن كانت أقل وطأة- إلا أنها مهولة أيضاً.. ولطالما نظر المسؤولون بازدراء للأخبار والمقالات التي تناولت كثرة الوفيات جراء السرطانات وحالات الإجهاض والتخلف العقلي في المعامير باعتبار أنها تهويلات وفرقعات إعلامية؛ ولم يساعدنا في ذلك تسطيح ناشطي البيئة للمشكلة.. الآن خرجت أصوات متخصصة تؤكد أن أبخرة أكسيد الكبريت وأكاسيد الزئبق والكادميوم والدايوكسين والفانديوم والرصاص والنيكل والزرنيخ وكلها سموم تُغذي أبدان أهالي المعامير منذ سنوات وهاهي تخترق اليوم -كما اتضح بالتجربة ورؤى المختصين- أجساد البحرينين جميعاً..!

هناك حلول اقترحها العجمي، سبقه لبعضها الناشط البيئي محمد جواد، منها استخدام صفوف من الأشجار الصنوبرية والنفضية لتكوين دوامات هوائية طبيعية لصد الملوثات وتخفيفها أو تكوين دوامات صناعية بواسطة الهوائيات. مع زيادة ارتفاع مداخن المصانع ومحطات الطاقة -القصيرة حاليا- إلى مستوى 250 مترا.. بالطبع هناك وسائل أكثر حداثة تستخدم لتنقية عوادم المصانع قبل بثها في الهواء استعرضتها في مقالاتي منذ العام 2004؛ مكلفة جزئيا بالطبع؛ ولكنها ليست أكثر كلفة من الأرواح.. 

نقول لقد تجاهلت الحكومة المشكلة طويلاً؛ وصم�’ت الأذن عن مشكلات خالتها خاصة وهاهي اليوم تغدو عامة؛ تملك الحكومة تجاهل المشكلة لمدة أطول وتحابي تلك المصانع أكثر ولكن عليها، إن لم تفكر في البيئة الفطرية المدمرة وحياة الناس وصحتهم؛ فلتفكر على أقل تقدير في خسائرها فهي من يتحم�’ل الملايين سنوياً جراء الارتفاع المطرد في فاتورة الخدمات الصحية وكلفة الإجازات المرضية التي تبد�’د الملايين -لا من جيوب المستثمرين- بل من خزينة الدولة!