اجتماعية ناقدة: من على منصته؛ سألها؛ بقسوة البشر اللائي نزعت من ضمائرهم الرحمة إن كنت قد تعرضت للعنف على مدار 20 عاماً – كما تقولين- فلم تشكين الآن ؟! ” كمليها؛ ما بقى في العمر كثر ما مضى” !! قالها ساخراً وتلفت لمن حوله يستدرج ضحكاتهم الساذجة الفاترة – كإنسانيتهم تماماً- ليثبتوا لها أنها عندما آثرت تحمل ظلم شخص على مهانة مجتمع.. لم تكن مخطئة كلياً..!!
ما لا يعرفه هذا القاضي – الذي نحتسب الله عليه وعلى أمثاله – وغيره من ذوي الضمائر المتحجرة؛ ان قدرة المرأة على الاحتمال تتآكل مع مرور السنوات.. فما تحملته المرأة وهي بنت العشرين من ضرب ومهانة لفظية واغتصاب زوجي قد لا تحتمله وهي على مشارف الخمسين.. وتلك حقيقة يلمسها كل من تقاطع مع معنفات في مجتمعنا، فهن يصبرن لسنوات طويلة.. وطويلة جداً.. يستخفين خلالها خلف حوائط من صمت معتم يبدأ في التهاوي عاماً بعد عام.. وكثيرات منهن يكتشفن بعد أن ينهار الجدار – للأسف- أن المجتمع لن ينصفهن.. وأن أهلهن لن ينصفوهن.. وأن سلطة الدولة ممثلة في القضاء تتغاضى عن عنائهن..!!

ذلك لأننا مجتمع يستمد العنف ضد النساء فيه مشروعيته من موروث ثقافي سحيق؛ ويكتسي فيه بغطاء من الفهم المعوج للدين.. فهم أهوج سليل تزواج غير شرعي بين فكر القبيلة ودين فضل الرجال على النساء ” بدرجة ”.. درجة واحدة.. ولكنها استثمرت ملياً في تأسيس فكر تمييزي جعل النساء بشراً من الدرجة الثانية؛ تحت راية الدين والملة..

وكسيدة فتحت قلبها للنساء عبر السنوات فتواردت عليها قوافل من الحالات المعنفة أستطيع القول إن رحلة كل امرأة مع المهانة والعذاب بدأت بزجرة غير مبررة.. وامتدت لتربيتةٍ عنيفة على الكتف ووصلت لصفعة.. كل مسلسلات الإهانة والسباب اليومية التي تتجرعها السيدات بدأت بكلمة تجاوزت عنها المرأة لاتقاء المواجهة؛ فتزايدت وتيرتها وتصاعدت عبر السنوات..

وأصدقكم القول إني رأيت عبر السنوات مئات الصور لكدمات وحروق ورؤوس مشجوجة وأفكاك مكسورة وقعت جراء إشتباكات ناتجةً عن تأخر العشاء أو رفض العلاقة الزوجية أو عدم إطاعة الأوامر .. وفي كل تلك الحالات هالني على الدوام أن المرأة – التي كثيراً ما كانت متعلمة وعاملة- قد سمحت بامتهانها مراراً حتى وصل الأمر لهذا المستوى العدواني.. حتى علمت لاحقاً أن هناك علاقة سيطرة غير مفهومة تنشأ بين الضحية والمعتدي كعقد غير مكتوب؛ تسلب إرادة الثاني لصالح الأول؛ وتجعله يخفي معاناته حتى عن أقرب الناس !!

أما ما يدمي القلب حقاً؛ هو أن هذه الظاهرة لا تنحسر بل تتزايد .. فوفقاً لدراسات منظمة الصحة العالمية فإن امرأة واحدة من بين كل ست سيدات في العالم يعانين من العنف المنزلي. ومشاهداتنا في البحرين تقول إن كثيراً من المتزوجات حديثاً مازلن يسمحن بدرجة ما من امتهان الجسد.. كثيرات منهن مازلن يرين العنف للأسف مرادفاً للفحولة والذكورة.. رغم أن الشخص العنيف في الحقيقة ليس سوى مضطرب نفسياً يعاني غالبا من الفصام أو اضطراب الهوية الانشقاقي؛ ولكثير منهن تاريخ إصابة في الرأس!!

نقول إن على كل امرأة أن تعلم أن لجسدها قدسية لا يمكن امتهانها – لا تحت راية الزواج ولا غيره- ولتعلم المرأة أن دفاعها عن جسدها هو خط دفاعها الأول – وقد يكون الوحيد- وأن صمتها هو سجانها العتيد.. الذي تحتاج للتمرد عليه..