:للفكر
الأخبار التي تناهت عن تجريد رجل الدين المتطرف ياسر الحبيب من جنسيته الكويتية على خلفية طعنه في رموز دينية ـ بما كاد ـ يفجر فتنة طائفية في الكويت، وما استمطرته تقولاته الرعناء من موجة استنكار من قبل علماء الشيعة والسنة على حد سواء.. أمرٌ يثلج الصدر فعلاً.. نتمنى أن نراها مراراً وتكرراً في مواجهة كل بوق يرفع عقيرته بالخدش والكسر والهدم بين المسلمين.. وما أكثرهم.. وما أخطرهم.
والحق أن سؤالاً واحدا يل�’ح على محدثتكم في كل مرة تسمع فيها خطيباً، على منبر دعوي أو إعلامي، يهيج قضايا إسلامية خلافية تسببت ـ في عصر ما ـ في سفك الدماء وشق عصا الأمة.. سؤال واحد ـ وإن بدا متشعباً ـ لطالما تمنيت توجيهه لمثيري الفتن.. أولئك الذين يستفزون مشاعر أتباع هذا المذهب أم ذاك عبر الضرب في ثوابتهم أو الانتقاص من عقائدهم .. وهو :
لماذا ؟
ما طائل الحديث في مثل هذه القضايا بعد مرور مئات السنوات على انتهائها.. ما الفائدة التي تُرتجى من تصنيف الناس لأهل جنة ولأهل نار..؟ ومن يظن هؤلاء أنفسهم ليلعبوا دور الرب على الأرض، ويعلنوا يوم القيامة قبل ميعاده، وينشرون الصحائف ويحاكموا النوايا والأفعال ويشقوا الصدور ليعلنوا عما دُفن فيها من إيمان وشرك !!
حقاً .. لماذا ؟
أليست « تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون» البقرة 141. فما لنا نحن ونبش سيرهم والتعرض لهم ونحن نعيش تحديات عصرية وإنسانية لا خلاق لنا بها ولدينا معضلات وتعقيدات شائكة نحتاج لـ “10” سنوات لحصرها ومناقشتها ـ فقط ـ ناهيك عن إيجاد مخارج لها !!
^^ أعذروا برغماتية السؤال، لكنه سؤال ـ على ابتساره وبساطته ـ يختصر سبب قولنا بخطر هاته الشرذمة وضرورة كبح جماحها عبر نبذها ـ أولاً ـ وعبر دعم خطاب بديل، لا يناقش زيف ما يطرحون « درءا لمزيد من المساجلات العقيمة » بقدر ما يدعوا لتجاهل تلك القضايا ودفنها للخروج من فلك قضايا وحوارات فاقدة للرشد والأهمية درنا حولها على مدار الـ «1500 » سنة الماضية، ونستطيع أن نمضي الـ «1500» سنة المقبلة في نقاشها، ودون طائل فيما تتسابق الأمم والشعوب على تسيد العالم علميا ومعرفيا وصناعيا !!
في الروايات البوليسية لأجاثا كريستي يبحث المحققون ـ في معرض القبض على المجرم ـ عن المستفيد من الجريمة للتحقيق في أمره.. وعادة ما تنتهي الحبكة باكتشاف دافع خفي يقود للفاعل الحقيقي للجريمة والمستفيد الأول منها. بشكل أو بآخر يشبه هذا ما نراه في حياتنا: فهؤلاء يبدون وكأنهم مدفوعون من قوى خفية لتوهين الأمة.. بعضهم مدفوع لها بدافع جهل أو لا مبالاة بتبعات هذه التفوهات والمناقشات. أما الفئة الأخطر ـ والأكبرـ فهم أولئك الذين يظنون أنهم، بضرب المسلمين وشق صفوفهم .. ينفعون الإسلام !! وبإثارة النعرات والكراهية بين أتباع الدين الواحد، يخدمون الدين !! وبشغل الأمة بخلافات ، شاء الله أن تكون أزلية، يستحقون رضاء رسولهم (صلى الله عليه وسلم) وهم من شوهوا دينه وفرقوا أمته.. أولئك الذين لم نجد مصداقا لوصفهم خيرا من الآية التي تقول :
« قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ,, الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ».
كفانا الله شرهم .. وحمانا من فتنتهم.