اجتماعية ناقدة: دخلت عليَ�’ بعنفوان؛ نظرت لعينيَ�’ بحزن وغضب.. اخترق رصاص وجعها صمت مكتبي..
“30 عاماً من عمري قضيتُها في المحاكم’’.. قالت وهي تَهُزُ�’ أصبعها أمام وجهي “أصارع أتبهدل وأذل، إن حصلت على حكم أستأنفه.. وإن كسبت الاستئناف لم ينفذ الحكم.. اتهمني بممارسة السحر والشعوذة .. اتهمني بفتح بيتي للرجال.. قطع عني الماء وصرت أسخن الماء لأبنائي في قدور الطبخ ليستحمُ�’وا!! لقد خارت قواي، أبنائي مهددون بالضياع.. الكل “يتصدد’’ عني ويتبرأ من مسؤوليتي.. لا تقولي لي الجئي للقضاء.. للإسكان.. للمجلس الأعلى للمرأة. للصناديق الخيرية أو للنواب.. فقد ذهبت للجميع فلم يُفتح لي باب.. والآن جئت أسألك.. ألست كاتبة ومثقفة ومتعلمة؟؛ إذن قولي لي الآن يا خريجة الجامعات.. من يأخذ حق امرأة مثلي لعبت بها الحياة وضاعت سني حياتها في الشقاء؟!’’
سرى سؤالها في عروقي كالنار..
طفلةً زُوِ�’جت لمعلم كبير في السن.. بخيلٌ نزِق الطبع سيء الخلق.. عاملها بدونية وامتهن ضربها.. حتى تمردت عليه بعد أن بلغت الخامسة والعشرين وفي حجرها ثلاثة أبناء.. تمردت بأن رفضت إنجاب مزيد من الأطفال له، فذهب ليشكوها في المحكمة ويدعي عليها بالنشاز؛ وقف القضاة معه وحرمت من النفقة حتى وافقت على الحمل مجدداً، وكانت تلك هي المرة الأولى التي ذاقت فيها طعم المر في رحاب قصر العدل..!!
تردَ�’ى الوضع واستحكم عندما فُصل من عمله في المدرسة إثر مزاعم بتحرشه بتلامذته، وبدأت حينها فصلا جديدا من العذاب.. تقول:
“طلبت الطلاق لأحفظ لعقلي برجاً أعيش فيه، لأربي أبنائي الستة.. لم ينصفني قضاة الشرع وجعلوني لعبة بين يديه حتى زهق مني وطلقني وطردني وأبنائي في الشارع’’.
عادت عندها لقصر العدل تطلب العدل، وبعد مشوار طويل حكموا لها بـ30 دينارا نفقة!! طلبت مأوى فحكموا لها بثلث البيت – لها ولأبنائها الستة- وأعطوه الثلثين!! قطع عنها الماء، جرد البيت من الثلاجة والمكيفات.. فهرعت للقضاة وللعسكر فقالوا لها: وما عسانا أن نفعل لك؟!
توقفَ عن دفع النفقة وتراكمت عليه واستخرجت ضده 21 أمر قبض، وفي كل مرة لا ينفذ الحكم والسبب: أنه تجاوز الستين وبالتالي لا يجوز حبسه!!
ادعى عليها – زوراً- ممارسة الشعوذة وظهرت براءتها – إنما – بعد عام ونصف العام من البهدلة والشقاء..!! ادعى عليها أنها تُد�’خِل رجالاً على بناته ونال من سمعتها بل وسمعة بناته!!
تخرجت ابنتها ومعها دبلوم هندسة إلكترونية، وأنها بلا ظهير ولا معين، هاهي تعمل كمشرفة باص بـ120 ديناراً..!! ابنها الآخر عامل يستلم شهرياً 197 دينارا.. ولديها بنت اختل عقلها وتوازنها من تردي الأوضاع فشطت، وما عادت الأم بقادرة على ضبطها.. ابنها الرابع تخرج من التوجيهي ولم يحصل على بعثة، وليست بقادرة على تعليمه.. أحد أبنائها قصد الأزهر للدراسة بدعم من الجمعيات الخيرية وقد انتهت بعثته وما انتهت دراسته، وهاهي الآن محتارة في كيفية توفير تذكرة له ليعود لدراسته!!
منظومة من التعقيدات والمشكلات جاثمة كالجبال على ظهر سيدة واحدة.. سيدة كنساء عدة لا يملكن ملجأً ولا قانوناً يحميهنَ�’ ولا نظماً تكف عنهنَ�’ الاعتداء ولا تقيهن�’ العوز..
قصدتني، من شقة بعيدة، لتسألني:
أين أذهب؟ ومن ذا الذي ينصفني ومن يأخذ لي بحقي أنا وأبنائي الستة؟!
سألتني فوجمت.. وما ملكت الجواب..