:للفكر

يقال انه قد حدث في مدينة نيويورك أن هجم كلب ضخم على فتاة صغيرة فتصدى له رجل من المارة.. ولأن الكلب كان متوحشاً لم يستطع الرجل إنقاذ الفتاة منه إلا بقتله.. حدث هذا في حضرة صحفي كان يراقب المشهد من بعد ما لبث إلا أن اقترب من الرجل وصافحة قائلا ” انا معجب بك.. انت فعلا رجل شجاع” 
سأصورك وأنشر خبراً عنك – قال الصحفي- وأكاد أرى المانشيت الآن ” رجل شجاع من نيويورك ينقذ حياة فتاة صغيرة ” فأستدرك الرجل ” ولكني لست من نيويورك !  ” حسناً قال الصحفي سنعنون الخبر بالتالي ” رجل أمريكي شجاع ينقذ حياة فتاة صغيرة ” .. فرد الرجل : أنا لست أمريكياً !
فسأله الصحفي باندهاش: إذن.. من أي بلد أنت..؟ فأجاب الرجل : أنا باكستاني .. 
في اليوم التالي نشرت صورة الرجل في الصحيفة مذيله بمانشيت ( متطرف إسلامي يقتل كلب أمريكيا بريئا) !!!  
****

بغض الطرف عن صحة الرواية فإنها لم تأت من فراغ.. كثيرون منا لا يقيمون الأعمال بل الأشخاص.. ولديهم نظرة مزدوجة مقيتة للمواقف والأحداث.. فما يرفضه وترتعد فرائصه له غضبا بالنسبة لخصومة.. يُبرره ويُجمله ويُسوغه إن بدر من جماعته أو قومه .
هؤلاء يعيشون حالة من الشزوفرينيا الأخلاقية.. والتي تدل على عدم نضج المبادئ ومطاطية القيم.. فلا يمكنك ان تستنكر الظلم في الدولة ” أ” وتؤيده في الدولة “ب”.. ولا يمكنك ان ترفض القمع والإرهاب إن بدر من الآخرين وتقبله إن ب�’در من صحبك وجماعتك..  فالمبادئ لا تتجزأ ولا تقبل القسمة والطرح.. ولا يمكننا أن نستخدمها كالأحذية نلبسها ونخلعها متى ما شئنا !!
****

قديما قيل : يعرف الرجال بالحق.. ولا يعرف الحق بالرجال .. 
وهي مقولة لم يعد لها وزن اليوم في مجتمعاتنا فاقدة البوصلة والهوية.. التي يعتبر بعض قادة الرأي فيها رواداً في ل�’ي عنق الحقائق.. بالطبع في قاموسي هؤلاء – قادة الرأي أعني- هم الأخطر بين الناس جميعاً: فمن لا يدعي المبادئ ولا يقيم لها وزناً لا تثريب عليه ولا عتب. ولكن من يدعيها ويروج لها ثم ينقضها كلما واتته الفرصة أو تضاربت مصالحه مع مبادئه فشخص خطير.. لأنه ينشر قيما مزدوجة ومضلله يتعاظم أثرها عندما ترتبط بالكتابة والإعلام إجمالا لأنها تجد وسيلة للانتشار بين الناس.. فتماماً كما تنشر الكتابة الأفكار الجليلة هي قادرة على نشر السموم التي تخترق اللاوعي وتستقر في العقل الثاوي للبشر.. 
نافلة القول: حذار من أن تكون من هؤلاء الخراصين مزدوجي المبدأ الذين يبنون أحكامهم على الشخوص لا المواقف والقضايا.. ولا تصدقوا أن هناك ” حالات خاصة” فالمبادئ لا تتلون ولا تتجزأ ولا تعترف إلا بالحق بغض النظر عن ضحيته ومنتهكة..

****