للوطن :

بغض الطرف عما تردده قيادات الوفاق – يومياً – بأن تراجع شعبية الوفاق ما هو إلا «ضرب من الخيال» وتمهيدٌ لانتخابات ..2010 وبغض النظر عن ترويج الوفاق أن توهين منجزاتها البرلمانية ما هو إلا «صنيعه الحساد المنافسين» الذين فشلوا في انتخابات 2006 وهاهم يطمحون اليوم إلى العبور للانتخابات المقبلة على جثة الوفاق.. ولو وضعنا حقيقة ما تعتقده كتلة الوفاق بأنها كانت «أفضل الكتل أداءً، وأنها كانت وراء جل منجزات البرلمان».. بغض النظر عن كل تلك التصريحات ومقدار ما يشوبها من مبالغات تبقى الحقيقة، التي لا ينفع الوفاق إنكارها، أن وفاق اليوم لم تعد وفاق الأمس.. عفا الزمان الذي كان التعرض لها فيه ضرباً من الانتحار الشعبي..اليوم صار انتقادها «حلالاً» وتسقيطها «مباحاً» بعد أن كانت خطاً أحمرَ يفصل بين الوطنيين الشرفاء والعملاء المرتزقة.
لقد ربت الوفاق، قبل أن تبلغ رشدها، جماهيرها على أن ما لا يُدرك كله يُترك جله.. ربتهم على رفض المخالفين ورجم البرغماتيين والتعنت في المواقف التي ليس لها في قاموسهم سوى لونين: أبيض أو أسود، وما سواهما هو للمأجورين والمنافقين وباعة القضايا والمبادئ.. ربتهم على أن التنازلات والمقايضات المرحلية عهرٌ سياسي.. وهاهي الوفاق تدفع اليوم ثمن الفكر العنين الذي ربت جماهيرها عليه.

قد نبدو متشفين شامتين، ولكننا لسنا كذلك؛ بل على العكس.. نحن نشفق على الوفاق تماماً كما نشفق منها.. نشفق عليها لأنها نزلت من أبراج الشعارات الثورية لواقع العمل السياسي، وحاولت أن تغير وتعمل، وكل من يعمل يشوب نتاجه الأخطاء، ومع ذلك سُقطت من قِبل من لا يملكون إلا الشعارات التي لم تُختبر في الميدان؛ ونشفق منها لأنها لم تتعلم من تجارب الأمس، وهاهي تعيد أخطاءها القديمة ذاتها؛ بإصرارها على الانتصار لمرشحين، كل رأس مالهم الولاء للجمعية والجماعة على حساب مرشحين حلفاء يملكون – حقاً – ما يتطلبه العمل البرلماني الذي يتطلب ما هو أكثر من الإيمان والإخلاص والمداومة على المسجد والمأتم.

اليوم خذلت الوفاق حلفاءها وأدارت لهم ظهرها، رغم أنها لمست ضراوة المعركة السياسية وحاجتها/ حاجتهم لكل السواعد القوية النوعية التي تستطيع دعم مواقف المعارضة داخل البرلمان وتجويد العمل فيها.. فإصرار الوفاق اليوم على الترشح – وحدها – في المناطق المضمونة للمعارضة الوطنية وعزمها على الاستئثار بالمقاعد الـ 18 المتاحة للمعارضة من دون أن تتنازل عن بضع مقاعد للمستقلين التكنوقراط أو حتى لرفقاء النضال الوطني في «وعد» و«أمل» يدل على أن الوفاق لم تتعلم الدرس.. وأنها لم تزل تستخف بحنكة الحكومة وسعة حيلتها وتمكن فرق الموالاة ودهاء أساليبهم.. نعم لازالت الوفاق تعتقد أنها قادرة – وحدها- على إحداث علامة فارقة وعطف الأحداث وفق طموحات النخبة والجماهير المطحونة، والحقيقة أنها كابدت لذلك – ونشهد لها بذلك – وما رامت هدفها.

وفاق اليوم مكشوفة على خصومها ومنافسيها، هذه هي الحقيقة، ومنطق القوة الرعناء لم يعد ينفعها بعد أن أنفض عنها الشباب الثائر والجماعات الغاضبة والتفوا حول سواها.. اليوم على الوفاق أن تراهن على تفكير الناس لا على عاطفتهم كما فعلت دوماً.. تراهن على قناعاتهم لا على «طاعتهم العمياء».. والوسيلة الفضلى لذلك هي أن تخرج لنا بقائمة مدروسة تمثل المعارضة بأطيافها.. قائمة قوية قادرة على أن تحدث هزة في أداء المعارضة.. أما الاستئثار بغنيمة المقاعد فليس بقرار حصيف.. ولا يدل على نضج بالغ.

يتبع