للقلب والروح :

في حقب خلت؛ كان المذياع إذا عطب حمله صاحبه للورشة يبتغي إصلاحه.. 
فإن عطب مجددا؛ حمله للتصليح مجددا..

كان البشر يتشبثون بأدواتهم ومعداتهم حتى تهترئ وتبلى.. وحتى عقود قليلة مضت كان الناس يحتفظون بالمكيفات وأجهزة التلفاز ؛ بل والملابس والدخون، لعشر وعشرين عاماً ولا يبدلونها إلا عندما تلفظ أنفاسها الأخيرة ويتبدد الأمل في إصلاحها ـ وحتى آنذاك – كانوا لا يرمونها؛ بل يحتفظون بها في ركن قصي من المنزل؛ في انتظار مخرج لإصلاحها أو الاستفادة منها على أي وجه ..!! 
كانت الناس حينئذ تشتري ما تحتاج.. وتحتفظ بما لديها .. يتساوى في ذلك الغني والفقير؛ إذ أن الأمر لم يكن متصلاً بالقدرة المادية بل بالسلوك العام..كانت للأشياء قيمة؛ وكانت الناس تتعلق بمقتنياتها الشخصية وتخلق معها علاقات غير مؤطرة بمسمى. خلافاً لأطفال اليوم؛ كان الصغار يحبون الدمية التي بين أيديهم ويتخذون منها رفيقاً أبديا. لم يكن الشره الاستهلاكي قد استعر..ولم تكن عين الإنسان فارغةً بهذا الشكل..
اليوم؛ تستغني الناس عن المذياع إن تعطل أو قلت كفاءته..بل تستغني عن أجهزتها دون سبب وجيه لمجرد أن طرازاً أحدث أو آنق قد نزل للسوق .. تشتري الناس ما لا تحتاج .. تشتري الكنزة الزرقاء ـ لا لأن الخمس الزرق المسجيات في الدولاب ابلين- بل لأنها أثارت لدى متفحصها شهية الشراء .. 
العالم كله يشتري ويبيع كيفما اتفق.. واشترِ واحدة واحصل على الثانية مجاناً؛ وعليك بالحجم العائلي في كل شيء..وكل ما لا يناسبك ارمه.. واستبدله بآخر؛ ولا تبدد ثواني من وقتك في التفكير قبل أن تفعل .. 
ولاء الناس اليوم هو لشهية لا كابح لها للتغيير؛ ولا أحد يبذل جهداً في أي شيء .. 
ولا تظنوا أن العلاقات الشخصية والشخصية عن هذا المبدأ ببعيد..!! 
أتقارن العلاقات الإنسانية بعلاقتنا بالالكترونيات ؟! – تسألون مستهجنين المقارنة- والإجابة نعم. فللأمر علاقة بسلوك عام وبنمط تفكير ترسخ وتعملق ليتحكم في أسلوب تعاطينا مع الكون والأشياء والأشخاص.. لا احد يبذل جهدا اليوم في إصلاح العلاقات إن اضطربت.. وحدها العلاقات التي لا يمكن إنهاؤها – لسبب أو لآخر- ما تبقى مركونة دون نوايا جدية لإصلاحها.. الصديق الذي فقد أهليته لعب دوره الذي كان يُهمش ويُقصى.. الزوجة التي كانت مصدر شغف وبهجة فقدت ألقها وحان وقت تنحيتها، شغف جديد متمثل في عمل أو هواية أو سيدة أخرى.. علاقة الحب، إن غدت “أكثر إرهاقا/ أقل إمتاعاً” مما يجب أن تُعدم فورا والطريقة المثلى لتجاوز حب قديم؛ هو استبداله بآخر جديد والقافلة تسير.. الموظف الذي خدم كرسيه ومرؤوسيه أعواما وأعطى روحه لعمله – يُعزل- مع رسالة شكر وحفلة وداع بلاستيكية إن تدنت كفاءته لظرف ما..!! 
كل شيء قابل للاستبدال.. والإصلاح لم يعد أول ما نفكر به؛ وإن فكرنا تثاقلناه..
أو تعرفون لم؟ 
عصر السرعة؛ قصر النظر وقصور الصبر وعقيدة حب النفس التي صارت سمة لصيقة به وبنا.. تضخم الذات وعبودية اللذة والمنفعة والنفور من كل المسؤوليات والالتزامات..ولكن؛ هل أورثنا ذلك الفكر الاستهلاكي الذي تسلل ؛ حتى لعلاقاتنا الإنسانية؛ خيراً ؟ ما الذي اختل في تفكيرنا لنتحول لقوم شرهين نستهلك الأشياء والعلاقات وحتى أنفسنا ؟ هل قادتنا شريعة ” الاستبدال والتغيير” للراحة والسعادة التي ننشد ونبتغي؟ 
سؤال شاخص للتأمل للفكر والضمير..