:للفكر
لأتمكن من إرسال طرد في لندن – حيث أقيم الآن- وقفت في طابور أستغرق ساعة وربع والساعة !
وعندما قررت لاحقاً إلتقاط أنفاسي وشرب قدح قهوة أنتظرت في طابور أستغرق ربع ساعة !
أنتظرت القطار لأصل لمنزلي نصف ساعة وعندما ذهبت للسينما – لاحقاً تلك الليلة- أمضيت 20 دقيقة في طابور لشراء التذكرة !
ولإنجاز معاملة رسمية في بريطانيا ، عليك أن لا تربط نفسك بأي موعد آخر .. ” فطابور” الخدمة قد يستغرق ساعات !
لا أذكر أني وقفت في بلادي في طوابير استغرقت إكثر من دقائق.. ولا أذكر طوابير استهلكت هذا الزمن من حياتي إلا طوابير المدرسة الصباحية !
ومع ذلك لا يتذمر أحد .. ولا يحاول أحد تجاوز الطابور أو قطعه .. وفي الدوائر الحكومية لا يدخل أحدهم و” يطير” لأول الطابور أو ينجز معاملاته وهو يحتسي الشاي في مكتب مغلق لمجرد أنه شخصية مهمة ..
الكل ينتظر دورة بأدب جم .. ولو تركت مكانك في الطابور لأي سبب سيفسح من ورائك المجال لك للعودة إن ميز شكلك.. الطريف في الأمر ، أن أبناء الخليج من فئة الـ5 نجوم .. الذين لا يطيقون في بلدانهم الطوابير ولا يضجون إن طلب منهم موظف درويش الإنتظار لدقائق.. ينتظرون بكل ” وداعة ” دورهم دون جدال أو ” تحلطم ” .. بل ويمسكون بضائعهم -التي تكلف آلاف الجنيهات أحياناً- وينتظرون في الطابور دون أن يتوقعوا معاملة خاصه ..!!
فلماذا يقبل الخليجي في بلاد ” الشقر ” ما لا يقبله في بلاد ” السمر ” ؟
سؤال وجيه أليس كذلك ؟
لماذا – على صعيد آخر – يحترم وبشده قوانين المرور ويلتزم بها في بلادهم فيما يقود سيارته بشكل فجّ مستهتر بعد أن يعود لبلاده بيوم واحد ؟
لماذا يتخلى عن مقعده في القطار لكبار السن والحوامل .. ولا يملك”ذات الذوق” عندما يكون في بلاده حيال ذات الفئة ؟
ولماذا ، يمسك العلبه الفارغة في يده طويلاً حتى يجد سلة مهملات يرميها فيها فيما ” يرمي” مهملاته في أي زاوية مخفيه في الشارع لو كان في بلده ؟
****
واقعاً ، ليس في الأمر سر ، ولا علاقة للأمر بتأدبهم وتخلفنا كما ستفسرون الأول للوهلة الأولى ..
كل ما في الأمر أن النظام محكم لدرجة يصبح تجاوزها – معه- مغامرة لا تُحمد عقابها ..
يُدرك من يستخدم الخدمات العامة أن القفز على دوره غير ممكن – ولا يستاء – لأنه يعرف أن لا أحد سيحصل على معاملة خاصه أو يسرق وقته .. في الباصات والقطارت وسواها هناك أشارات تنص على أن الأولية هي لكبار السن وللحوامل والأطفال ، لذا لا يتنازل الناس من قبيل الخلق القويم فحسب بل لأن من حق هذا المسن أن يطلب منه ترك مقعده .. كما أن تجاوز قوانين المرور له عواقب وخيمه تصل للسجن وسحب الرخصه .. وكذلك إلقاء المهملات في غير مواقعها .. وإن هربت من يد القانون لن تهرب من نظرات وعبارات الإزدراء التي سيواجهك بها سكان تلك الدول ،الذين تشربوا بتلك القيم، شخصيا وجدت ذات مرة الشارع مكتضا رغم وجود جهة خاوية فلجأت ، بلقافه العرب لها ، ظناً بأني أبصرت ما لم يروه، فخاطبني احدهم قائلا ان هذا الشارع المنقط مخصص لإستخدام فاقدي النظر فقط فتراجعت معتذره رغم عدم وجود ايه معاقين في تلك اللحظة ولكن ذلك ليس بمبرر عندهم لإستخدامه !
من السهل أن نلوم ” ربعنا ” ونصمهم بالتخلف ولكن الحقيقة التي لا تقبل الجدال هي أن هؤلاء – نفسهم- يتحولون حال تركهم لدولهم لأناس آخرين ..
فالعيب فينا ليس في ” الجينات ” بل في ” القوانين “
ونكتفي.. بهذا القول واستغفر الله لي ولكم ..