:للوطن

لا تسألنَ�’ مال شهرزاد اليوم حزينة، فشهر الخير أقبل بلا خير.

      قلوب الأمهات فارغة ووجنات الأخوات دامعة.. والمفصولون والمعتقلون والمعذبون والمهجرون، كلهم ينزفون.. ألا تشعر يا مولاي بثقل حزنهم.. بحرارة دموعهم وزفراتهم.. ألا تهاب.. سطوة غبنهم ؟

     ألا تخشى مرور ملاك بسجادة صلاة زوجة عاجزة عن منح أبنائها ما يشتهون وأبوهم مسجون؟

ألا تخاف أن تكون من رب العباد ملوم لو نامت أمٌ وقلبها بالحسرة مختوم ؟!

     شهرزاد رغم الابتلاءات لازالت�’ تقول أن ملكنا ليس بفرعون ولكن له من شاكلة هامان عشرون، يملؤون له الكؤوس بالأكاذيب ،ويحرضونه على كل أمر معيب ،ويوغلون صدره على الرعية ، ويعرقلون الخير ويحرضون على الأذية..ولكن الوقت يا مولاي ما فات ومفتوحة هي أبواب السموات..أطرق�’ السمع لمن عليهم ربك ولا�’كَ ، وأبعد�’ عنك القساة، حذ�’ارِ من قهر الضعفاء وطاعة اللئام الذين يجهلون سنن الكون، وحقيقة أن النصر دوما من نصيب.. المظلوم.

والآن نكمل باقي الفصول لذوي العقول وننقل ما جرى في الدوار، وقصة الثوار..وهدم الجدار

                                                        شهرزاد

 ****

     كانت عودة المتظاهرين للدوار بعد الخميس الدامي مدعاة للعجب ” أعتقد أن الشعب البحريني أشجع الشعوب – كتب أحد الأجانب- هذا المكان شهد مأساة ،فكيف استطاع الناس العودة وتخطي الصدمة بهذه السرعة “؟؟ تساءل مندهشاً..

ما غاب عن إدراك هذا المراسل وسواه أن الناس الذين خرجوا يتراكضون بذعر فجر 17 فبراير لم يكونوا – أنفسهم- من عادوا له بعد ثلاثة أيام.. شيء ما فيهم تغير –أو- لنقل انكسر، انكسرت ثقتهم بمؤسسة الحكم وانكسر خوفهم منهم. كان تولستوي يقول” أن أخطر رجال الأرض هو ما لا يملك ما يخسر” وكثير من هؤلاء لا يملكون ما يخسرون، فحتى كرامتهم – الشيء الوحيد الذي يتدثرون بدثاره – أريق عندما استيقظوا ووجدوا أحذية الشرطة على رقابهم، يرشونهم ببنادق الصيد ويسبونهم ويسبون أمهاتهم وعقيدتهم بلغة عربية مكسرة..!

    من خرجوا في 17 فبراير من الدوار كانوا مرابطين للمطالبة بإصلاحات ” وكان تغيير رئيس الوزراء الذي يقود البلاد منذ أربعين عاماً أقصى طموحاتهم” ولكن من عادوا له لاحقاً كانوا يطالبون ويهتفون بإسقاط الملك نفسه.. الملك الذي أحبوه ووعدهم أن جرائم التسعينات لن تتكرر، الملك الذي – رغم انتقاداتهم له – كانوا يرونه مختلفاً ومحباً ومعتدلاً حتى أطلق عليهم يد من لا يرحمهم فتفجر غضبهم.. بإتجاهه !

***

     لم تكن الجماهير يومها راغبةً في سماع أي شيء عن “المعادلات الإقليمية” التي تجعل إسقاط النظام مستحيلاً.. ولا الاحتمالات الفعلية لنجاح المطالب – بقالبها هذا- في دولة خليجية.. لم يكونوا مستعدين لمحاورة أحد حول تبعات هذا الطرح داخلياً ولا تأثيره على الموالين الذين يقف سقف – حتى المتمردين منهم- عند نواصي الملك.. لم يفكروا في البديل..أهناك بدائل مقبولة ؟ هل البلد مستعدة الآن لتنتخب ملكاً إن كانت الانتخابات البرلمانية فشلت عبر عقد كامل في اصطفاء نخبة سياسية بسبب تحكم كل شيء في الانتخابات إلا.. الكفاءة !

     لم يكن لكل ذلك الحديث مكان.. ولم تكن الجموع الغاضبة مستعدة أن تسمع.. تم استنساخ شعار ” يسقط النظام” دون إجراء أي تعديلات ليتناسب مع ” الذائقة الخليجية” وكانت تلك غلطتنا الأولى.. وكأن الوقت كان أضيق من أن نبتكر شعاراً خاصاً يلخص محنتنا وتطلعاتنا…

****

     لقد تغي�’ر كل شيء – نقول- بالنسبة للمتظاهرين.. بدا بيان الجيش رقم “1” الذي بثه وجه كئيب وكأنه إعلان حربٌ عليهم. ودب�’ الخوف في نفوس النخب المعارضة لما بدا وكأن الجيش تغول – حتى على حساب السلطة التنفيذية نفسها- فاعتزلوا نقاش الجماهير وتفرغوا لمواجهة السلطة.

      (( كلمات خارج النص : كنت واحدة من بين هؤلاء الذين عجزوا عن التصدي للمد.. نعم وقفت في السلمانية والدوار ومواقع عدة مراراً أطالب بتقنين الشعارات وتركيزها على الهدف وأذكرهم بالعيون التي تتربص وتتصيد وكررت بأن فتح كل الجبهات – دفعة واحدة- خطأ تكتيكي وإن آخر الدواء الكي و..و..ولكني وصلت سريعاً لنتيجة مفادها أن الناس تسمع – فقط- ما تريد وهي النتيجة – ذاتها- التي وصلت لها شخصيات عدة حاولت المثل، وسرعان ما فكر بعضنا أن مواجهة بطش السلطة – في هذه المرحلة- أولى من توجيه الجماهير وكانت تلك غلطة سندفع ثمنها لاحقاً.. غالياً))

    الجميع ظن أنه سيجد متسعاً من الوقت لاحقاً لـ ” توحيد المطالب والتفاهم حولها” وتركت القيادات الجماهير ، التي كان لازال طين مطالبها طرياً ، تهتف على هواها.. في الأيام الأولى كانت الجماهير تهتف مع من يطالب بإصلاح النظام ثم إن وقف أحد يهتف بالموت لآل خليفة هتفت – ذات الجماهير- معه، وإن أتي شخص ثالث على المنصة لينهاهم عن الدعاء بالموت على عائلة بأكملها فيها أطفال ونساء وأبرياء وافقوه وهتفوا معه أيضاً !!” كانت الجماهير في البدء قابلةً للتشكل ولكن طين المطالب سرعان ما جف�’ وتصل�’ب قبل أن تأتي الفرصة لصقله وتعديله. فراديكالية الأمن في التعاطي مع المتظاهرين زادت الشعارات راديكالية.. كان الموج عالياً ،واختطفت الشعارات بسرعة لصالح إسقاط النظام الذي لم يكن جل�’ الموجودين متفقين على تعريفة..

 ( كلام آخر خارج النص) كنت لتسأل البعض ماذا تعني بإسقاط النظام؟ فتتباين الأجوبة:

     أغلبهم كان يرى إسقاط النظام مرادفا ” لتغيير رئيس الوزراء” ويقول آخر ” إسقاط الفساد والمحسوبية والظلم في البلاد” ويقول ثالث “رحيل السلطة” فيما يتلعثم البعض الآخر لضبابية المطلب لديه.. يومها كان على المعارضة أن تتفق مع جماهيرها حول مطلب محدد تلتف حوله –ولكن- تزاحم الأحداث لم يسمح.. فسيطرة فكرة القطيعة مع النظام على الوعي الثاوي للعامة فخرجت السيطرة -حتى عن أقطاب المعارضة أنفسهم- الذين أصبحوا مضطرين للانقياد لرغبات الشارع عوضاً عن قيادته.. 

***

من هنا بدأت المعادلات تتغير.. وصارت العربة قبل الحصان

والحصان من سياط الجلاد مجروح.. والدم يسيل على عينية، والرؤية عسيرة عليه ..

وها قد أدرك شهرزاد الصباح.. وعليها أن تسكت – مؤقتاً- عن الكلام غير المباح..