(1)
للقلب والروح:سترحل الطائرة بي الآن..
وفكرت أن أبعث لك تلك الكلمات قبل أن ينقطع الإرسال ..
أستهلها بسؤال :
أيعقل أن يكون هذا طبع الإنسان !!
لم أكن أراك حولي ..
والآن وقد رحلت .. صرت أراك في كل زاوية ومكان !
سمعت أنك تستعيدين للزواج بغيري..
ولأنك ما فتأت تكررين للأصحاب أني محتال كذاب ..
قررت أن أتخذ الصدق – أخيراً – عادة ..
وأصارحك .. بأني لا أتمنى لك السعادة ..!
لن أكذب وأقول أني أتمنى لك التوفيق ..
وأني لا أبتهل أن تتركيه في منتصف الطريق
ولكني سأكذب كذبتي الأخيرة وأقول :
لم أعد أحبك  .. 
*****

(2)
سأرحل يا أمي ..
ابتعت تذكرة لا ادري إلى ما ستأخذني..
بلدة لا أعرف فيها أحدا .. ولا أجيد لغتها ولا أعتقد أني سأحب أطباقها !
أرجوك يا أمي لا تبتأسي .. 
لست وحدي من يرحل للمجهول !!
فكل ما في هذه البلاد يتجه نحو المجهول..
الكل لا يُعرف ” ماذا يُريد ..”
على الأقل .. أنا أعرف “ما لا أريد” ..!!
*****

(3)
لن يدخل الطيارة ركاب جدد..
من الواضح أن الكرسي الذي يجاورني سيبقى خالياً !
هكذا طبع الدرجة الأولى دوما .. ركابها قليلون.. وليسوا بودودين !
أحياناً أحسد ركاب ” السياحية”.. أشعر بأنهم يستمتعون بالرحلة أكثر منا..
كم تمنيت أن يأتي أحد ويجاورني في هذه الرحلة الطويلة..
يسألني عن أسمي ، وبلدي ، ويتطفل على كل تفاصيل حياتي ..
سيعرف أن عندي طفلان .. ولكني أخشى أن يطلب صورهما التي لا أحملها !
سيضطرني ذلك أن أصارحه بأني لم أراهما منذ كانون ..
وبأمر القانون ..!
سيكون هذا “الراكب” جاري اللصيق لسبع ساعات
لذا سأخبره بما أكن وبكل ما فات..
سأفضفض له قبل أن يمضي كل منا في طريقه..
سأخبره بأني تزوجت أجنبية إبان الدراسة .. 
خانت زواجي وانتزعت مني قلبي وأبنائي !
سأقول له ..
أني محظوظ في العمل ولست محظوظاً في الحب..
أأخبره بأني لا أفهم النساء ولا أثق في النساء !
أخاف أن يحاول وعظي .. ويقول لي أن النساء ليسوا سواسية 
ظناً منه بأن المنطق يداوي الجروح ! ويصلح تشوهات الروح !
أشعر أني مكبل بالأرض..
وأن عجلة العمر توقفت ..
وأني مللت من اجترار الحوادث والذكريات.. 
كم أخاف أن ينظر لي بشفقة أو ازدراء ..
حسناً ..
حمد الله أن الكرسي بقى خالياً !!
******

(4)
نظرات هذه المضيفة تزعجني..
تريد مني إطفاء الهاتف وأية أجهزة ألكرتونية !!
كم هي فضة وأنانية !
تستكثر علي تلك الدقائق التي سأودعك فيها ..
شيء ما في نفسي يحدثني أني عندما أعود .. لن تكون موجوداً !
هل أخبرتك عن ” عماد ” يوماً ؟
كان يحبني..
ويوم جاء للمطار ليودعني بكى حتى ظن الناس أني سأسافر للعلاج لا للدراسة !
ولكن..
يوماً بعد آخر.. شهراً بعد آخر .. بدأ حبه ينسل من يدي !
تعدني أنك لن تكون مثله ؟
حسناً .. لا أصدقك !
شيء ما في الرجل الشرقي يكره أن تطارد المرأة طموحها..
شيء ما فيه .. يحب أن يراها بمئزر الطبخ لا بنظارة الأستاذة !
أخبر هذه المضيفة المزعجة أن تتركني وشأني..
أريد أن أتشرب بمشاعرك قبل أن يطويها البعاد..
لو عدت ووجدتك.. سأكون ممتنة ..
أما لو عدت ولم أجدك .. فلن أتعجب !