:للوطن

4- الرفض من أجل الرفض
في السجن كل الطلبات يجب أن تقدم في خطاب – يُرفض أو يُقبل- وفقاً لهوى المناوب ومزاجه الشخصي؛ وهي غالباً ما ترفض؛ لأن مزاج العاملين في السجن – كما هو متوقع- عكرٌ على الدوام!! 

ونحن لا نتحدث هنا عن طلبات جلل بل عن طلبات متناهية في الصغر.. بعضهم يطلب نقله من عنبر لآخر ليكون مع شقيق له أو قريب؛ بعضهم يطلب استلام مزيد من الملابس الداخلية من ذويه؛ بعضهم يطلب اتصالاً إضافياً للاطمئنان على طارئ عائلي.. وجلُ تلك الطلبات تُمنى بالرفض دون تقديم مبررات أو أسباب وجيهة.. ويأتي رد السجناء قاسياً كقسوة التعامل الذي يلقون – إنما- هي قسوة موجهة للذات.. فكثير منهم يقطع جلده ويجرح نفسه لإجبار الإدارة على السماع له.. والإدارة – بدورها- تعتبر الانصياع لرغبات سجين رضوخاً يهز هيبتها ومكانتها.. بيد أن الإدارة لو تمعنت وفكرت؛ لوجدت أن قراراتها غير المنطقية هي ما يهز من مكانتها لا حسن تعاملها مع النزلاء.
مؤخراً قررت الإدارة منع بيع المعلبات في مقصف السجن بعدما وجدت أن استخدام أغطيتها الحادة لتقطيع النفس؛ قد استفحل وخرج عن السيطرة.

5- قرارات ارتجالية
صممت سجوننا لتكون منطقة وسطى بين الحياة واللاحياة؛ لذا فكل ما فيه سريالي متحرر من مقتضيات العقل والمنطق بما فيها القرارات الإدارية.. فيحق للإدارة أن تصدر – كل يوم- قراراً جديداً، ولها أن تسحبه في اليوم التالي.. بالطبع تزداد وتيرة تلك القرارات وتغلظ عندما تدخل مجموعة من المدانين في أعمال سياسية للسجن. من تلك القرارات التي لا توزن بميزان قرار يقضي بمنع امتلاك السجين لأكثر من قميص.. وقرار أن ملابس السجين يجب أن تكون ملابس مستعملة وعليه فلا يحق لذويه مده بملابس جديدة. كان للسجين الحق في استخدام الهاتف مجاناً ولنصف ساعة أسبوعيا شريطة أن لا يفكر في الاتصال في الصحافة أو الجمعيات الحقوقية. مؤخراً صدر قرار يقضي بإلزام السجين بشراء بطاقة مدفوعة الأجر للاتصال.. بعض السجناء – الأجانب بشكل خاص- يحظون بفرصة الحديث أكثر.. كثير من الكتب تمنع.. الأطعمة القادمة من المنزل دورياً تمنع؛ بالإجمال لا يكتفي السج�’انون بسلب الحرية كعقاب للجناة.. بل يبتدعون دائماً سبلاً جديدة للضغط عليهم وعقابهم!! 

6- ما بعد السجن
مرحلة السجن على قسوتها ووعورتها قد تنتهي.. ليخرج السجين من سجن صغير إلى سجن أكبر.. ظروف السجن التي شرحنا في الأيام الماضية.. عدم وجود رعاية نفسية واجتماعية وتوجيه وإرشاد ديني.. فصل السجين عن المجتمع وعن ذويه خلافاً لما نصت عليه المادتين 61 و79 من ميثاق حقوق السجناء الذي صادقت عليه البحرين. كل تلك العوامل تجعل السجين يخرج للحياة ضائعاً متبلداً.. مدمناً أحيانا للعقاقير المهدئة التي تصرف له بسخاء في السجن لإراحته والراحة منه.. في السجون الغربية – وبعض العربية كمصر والكويت- يستحق السجين مبلغاً شهرياً متواضعاً نظير وجوده في السجن يصرف له عند خروجه لإعانته على البدء من جديد. 
لن نطيل أكثر؛ وسنترك ما قيل في الأيام الماضيات أمانة في عنق كل ذي قرار يملك إصلاح الأوضاع المرتبكة في السجون والتي صرحنا عنها أقل مما أخفينا.