:للوطن
لا المجتمعات تتمصلح؛ ولا نجاح السجون يُختزل؛ بفرض القصاص وتدابير الحرمان من الحرية بقدر ما ينفعها تحويل المجرمين، بقدر الإمكان، لمواطنين فاعلين يحترمون القانون والنظم. من هذا المنطلق ولا من سواه؛ نكمل ما بدأناه بالأمس من بسط لملاحظات حول ما يحتاجه السجن من تقويم؛ لينهض بدوره في تقويم نزلائه.
3 المهازل الأخلاقية
كل السجون تشهد انحرافات أخلاقية وسجوننا ليست عن ذلك باستثناء.. فحبس السجين لا يخرجه عن طبيعته البشرية ولا يغير خارطة احتياجاته الإنسانية وعليه فإن إغفال هذه الجزئية غالباً ما يقود النزلاء لسقطات مدمرة.
فالسقف الأخلاقي والديني المتدني لدى أكثر السجناء؛ ثن على ذلك عدم إقرار نظام الخلوة الشرعية المعمول به حتى في أكثر السجون تشددا وتخلفاً؛ أضف لذلك مساحات ممتدة من الفراغ والخواء؛ ولتلك التوليفة المتفجرة أضف غياب الزجر والردع والرقابة لتجد أمامك أمام بوابة فساد تطال – أشد ما تطال – ذوي الأحكام الطويلة؛ والناشئة الذين تبدأ أعمارهم من 17 سنة والذين يلج بعضهم السجن في قضية شجار أو سرقة؛ ويخرجون منه شواذاً والعياذ بالله!!
وإدارة السجن في ذلك غافلة أو متغافلة؛ والمساجين الذين يسيئهم ما يرون يخشون الوشاية خوفاً “ عقاب البرنص’’ الذي يستخدمه المساجين لعقاب مع من يظنون تواطؤه مع الإدارة.. وهي طريقة مبنية على مباغتته السجين/ الواشي وتكبيله بلحاف؛ حتى إذا ما انعدمت رؤيته انقضوا عليه منتقمين بالضرب؛ وسواه!!
ما نقوله قد يفاجئ الناس ولكنه لا يفاجئ المعنيين الذين يعون – جيداً- ما يجري؛ ولا ندري ما يحجزهم عن التحرك باتجاه الحل..ولحسم حيرتهم سنقدم لهم تجربة المغرب اللافتة في هذا المجال.
فالسجون المغربية تستخدم الخلوة كأداة لدفع المساجين للالتزام بقوانين ومحاذير السجن. إذ تمنح ذوي السيرة الحسنة فرصة الخلوة وبعض الميزات الأخرى. وفي تطور لافت؛ قررت “إدارة السجون وإعادة الإدماج المغربية’’ تشجيع الزواج بين السجناء والسجينات ذوي الأحكام الطويلة؛ بعد أن اكتشفت أن نسبة الإصابة بالإيدز داخل السجون وصلت لـ %0,6 مقابل 1,0 % فقط خارجها. ولعل بعضكم حظي بفرصة مشاهدة تقرير إخباري طريف لزواج السجينة زهرة أسكور البالغة من العمر 27 سنة التي أدينت بقتل زوجها وحكم عليها بالمؤبد من محمد قويدر البالغ من العمر 28 سنة والذي يقضي أيضاً حكماً بالسجن المؤبد في قضية ضرب مفضي للموت؛ وقد عرضت القنوات حفل زواجهما على الطريقة المغربية التقليدية بحضور مسؤولي السجون الفخورين بالقرار لما فيه من درء للمفاسد!!
والتجربة السعودية أيضاً حاضرةٌ للاقتداء بها.. فقد وفرت الحكومة ملحقات مجاورة للسجون يتم السماح فيها بلقاء الزوجين وفق جدول معين لبضع ساعات شهرياً؛ وتضاعف المدة للمتزوج بأكثر من زوجة!!
نقول.. لابد لسجوننا أن تحذو حذو السجون الغربية والإسلامية في احترامها للطبيعة البشرية وقطعها لكل ما يمهد للمهازل والانحرافات السلوكية. ونحن هنا لا ننظر حقاً للمطلب بمعناه الغريزي الضيق؛ فالزوجان بحاجة أيضاً للتواصل والحديث بعيدا عن مسمع ومرأى الجميع.. وحرمان السجين من ذلك لا ريب يحول السجن من عقوبة فردية لعقوبة جماعية تطال زوجته أيضاً.
يتبع