:للقلب والروح
عاتبني القراء لغياب مقالات الخميس – تلك التي خصصتها لحديث الروح والعاطفة – لأسبوعين متتاليين؛ ومعهم في ذلك كل الحق لولا أنهم يرون مرأى العين كيف تجرفنا القضايا جرفاً لا نعود معه بقادرين على أن نلتفت لسواها.. ولكني آثرت اليوم تعويضهم بالحديث عن حب.. وحب استثنائي أيضاً. حب منسي – أو فلنقل حب منبوذ – تحفه شبهات النرجسية والأنانية من كل حدب.. نتحدث هنا عن حب المرء منا لذاته.. وهو نوع تنساه الروايات والأطروحات – وتستصغره – رغم أنه محرك الحياة الأول وأطول العواطف عمراً.. وصدقوا.. من أكثرها تعقيداً..
فحب النفس هو من صميم تكوين البشر وأصل كل الغرائز والنزعات.. منه يأتي حب اللذة وبُغض الألم، وهو ما يحرك الإنسان للتقدم وتحسين حياته؛ يكون بالفعل محركاً للشرور إن فقد بوصلته، ولكنه إجمالاً حب إيجابي؛ لا سيما إن وُطِن وأُطِر في مكانه الصحيح.
في ثقافتنا حب الذات خطيئة.. والتباهي به معيب.. رغم أن فاقد الشيء لا يعطيه؛ ومن لا يحب نفسه – إجمالاً يكون عاجزاً عن حب غيره بطريقة سوية.. فثقافتنا توجهنا لإيثار حب من حولنا على ذواتنا وللذوبان في علاقات يتلاشى معها إحساسنا بالنفس.. نرى من ينسى نفسه لعيون أهله وبنيه وصحبه كريماً معطاء، رغم أن بعض الدراسات تؤكد أن العطاء المبالغ فيه للآخرين ما هو إلا تعبير عن خلل شخصي يدفع المرء للهروب من نواقص ذاته وأحلامه غير المشبعة بإغداق الاهتمام على الغير وإيثار الدوران في أفلاكهم على مواجهة معضلاته الشخصية.
ولتعرف الشيء أبحث عن نقيضه.. ونقيض حب الذات هو كرهها وهي حالة جد شائعة بيننا.. كثيرون يكرهون أنفسهم بشكل لا تستقيم معه الحياة. يكرهون شكلهم وصفاتهم وكسلهم وحظهم وافتقارهم للمرونة والقدرة على التغير.. ولكنهم لا يواجهون هذه الحقيقة أبداً.. ويستعيضون عن الاعتراف بما يكرهون في أنفسهم بإمطار غيرهم بالكره وتهشيم صورهم واغتيال سمعتهم.. واستمعوا – استمعوا ولا تسمعوا فقط – لقوافل النمامين في مجتمعنا لتكتشفوا التشابه بين نواقصهم الذاتية وبين ما ينتقصون الآخرين به !!
أما لماذا يكره المرء ذاته فهو حديث ذي شجن.. نوجز شذرات منه بالقول إن الكثيرين منا شبوا على سماع النقد لا المدح ؛ فتعلموا منذ الصغر التركيز على عيوبهم وسلبياتهم فنموا ونمت معهم القسوة على الذات.. خبرات الفشل المتكرر في الحياة أيضاً تدفع البعض لكره ذاته، لا سيما إن تركت بصمات غائرة في النفس..
ناهيك أن بعضنا تعلم جلد الذات وإدانتها بشكل مدمر.. جميل أن يهذب المرء منا نفسه وينأى بها عن الزلل والآثام – نعم- ولكن شريطة أن لا يكسرها بتعظيم عيوبها وتقزيم حسناتها..!!
نافلة القول أنا ندعوكم اليوم لحب أنفسكم.. لا تنتظروا من أحد أن يحبكم أو يعزركم أو يقدركم بل بادروا أنتم بذلك.. وأظهروا هذا الحب يومياً بالعناية بالذات.. بالعناية بالجسد ”الذي هو المركبة الوحيدة التي ستلازمك حتى وفاتك”.. بالعناية بالنفس وتدليلها بما تحب.. وعلى مستوى أعمق؛ بعدم ارتضاء الإساءة لها وإهانتها على يد أيٍ كان.. ولأي سبب كان.
رحيق الكلام:
إن كنت تعتقد أنك تستحق الحب.. فأحبَ نفسك من باب أولى. أحب حسناتك وحاول تغيير نواقصك فإن لم تنجح؛ فحاول أن تحب نواقصك أيضاً..