اجتماعية ناقدة: عندما دخل الأخ برفقة فتاة للمقهى، ووجد أخته الكبرى جالسةً تنادم شاباً، غلت حمية الجاهلية في دمه فهجم عليها برعونة أمام الحضور رامياً مسامعها ومسامع مرافقها بما قبُح من القول. عمت الجلبة المكان بالطبع حتى توارى الاثنان عن الأنظار؛ وبدت الأخت لوهلة كالجثة التي نشفت في عروقها الدماء- ولم تبدُ رفيقة الأخ في حالة أفضل- لاسيما أنه تركها وحدها بل وزجرها لما حاولت مخاطبته !!
هذا المشهد ليس سوى بقعة/ لطخة من وحل مواقف عدة يولدها تضارب مفاهيم الشرف في مجتمعاتنا.. فرغم أن الأخ؛ دخل برفقة فتاة إلا أنه استعظم رؤية أخته مع شاب؛ وذلك خلل في المفاهيم التي يرضعها الناشئة منذ الصغر.. وقبل أن تسلوا سيوفكم للطعن في محدثتكم – وأكاد أرى بعضكم متوثبا لذلك- تمعنوا في ما سيُقال وهاجموا بعدها كيفما شئتم..!!
في مجتمعاتنا يُعلم النشء أن شرف الفتاة عود كبريت؛ زجاج هش قابل للكسر لأقل حركة.. كلامها، ناهيكم عن مجالستها شابا مدعاة لحرق شرفها بل وشرف عائلتها كلها.. ليس على الفتاة أن تتجاوز حدود الله لتفقد سمعتها كما أخبرونا ؛ فالشائعة بل والشبهة كفيلة بإسقاطها من عين المجتمع.. وللأبد..
كان ذلك مقبولاً ومفهوماً في وقت مضى.. عندما كان يكفي أن تقع عينا الشاب على فتاة من الحي عند الخباز ليرسل وفداً من أهله ليطلبوها للزواج.. بل وكان الشاب مستعداً للزواج بالاعتماد – فقط- على عيني أمه.. وكانت الفتاة توافق على من يرتضيه أبوها؛ وكانت تلك الزيجات تنجح لأن الزيجات كانت كالحياة – بسيطة لا تعقيد فيها- آنذاك كان سعي الفتى والفتاة لعلاقة مسبقة أمراً فاحشاً وغير مبرر.. وبقي الأمر كذلك رغم أن الزمن تغير والحال تبدل.. فما عاد الشاب يرتضي من تستسيغها عيناه وتعقدت شروطه، وما عادت الفتاة تقبل بكل من يدق بابها.. صار الزواج – بصيغته الجديدة- يتطلب تعارفاً مسبقاً رغم أن هذا التعارف لازال مرفوضاً اجتماعيا.. ولكن عدم مقبوليته لم توقفه.. ولم تعطل دوران عجلته.. بل دفعت به إلى الظلام.. الظلام حيث لا تُحمد عقبى الأمور..
فقيم المجتمع الحالية تظلم الفتيات بشكل مزدوج: تساهم أولاً في استغلال الفتيات – لاسيما الصغيرات منهن- اللواتي يواعدن شباباً في الخفاء وفي أماكن مغلقة خوفاً من أعين المجتمع وهمساته ويتحولن بذلك لفرائس سائغة لميتي الضمير.. وعوضاً عن ذلك فإن الشاب الذي تربى على أنه ” شايل عيبه ” وأن الفتاة التي تُحب ”منحلة” يبدأ في مساءلة نفسه عن مدى صلاحية هذه الفتاة للزواج وإن كان – هو- من استدرجها..!!
لست متحررة كما يتمتم بعضكم الآن؛ ولكني واقعية.. أنكروا كما شئتم ولكن الواقع يقول إن رحى العلاقات العاطفية تدور في مجتمعنا بمدنه وقراه – وبين طبقاته كافة- ولن يوقفها شيء.. لذا فمن الأولى بنا أن نحمي هؤلاء من الخطأ وويلاته.. من أرادت أن تقابل شخصاً فلتقابله في النور؛ ولتُفضي لأمها وأختها الكبرى وتطلب النصيحة.. فلتتحمل نظرات الناس الساذجة وقذفهم البائس عوضاً عن أن تتحمل غضب ربها وسخطه..
فالضمانة الوحيدة لعلاقات صحية هي أن تكون في النور..وعلى الأسر -والمجتمع بأكمله- أن لا يدفع فتياته وفتيانه للخطيئة بفرض قيم غير واقعية عليهم..