مقالات ساخرة : “يا عزيز يا عزيز كبة تاخد الإنجليز”.. ”الاستقلال التام أو الموت الزؤام” ”مش هنطاطي مش هنطاطي.. إحنا كرهنا الصوت الواطي”، ”يا حرية فينك فينك.. أمن الدولة بينا وبينك”.

تلك كانت شعارات اختزلتها ذاكرتنا الثاوية عن التظاهرات التي كنا نراها إجمالاً في الأفلام المصرية القديمة.. شعارات ارتبطت هويتها مع ”الأفندية” الذين كانوا يقودون التظاهرات التي كان قوامها النخبة وطلبة الجامعة والمثقفين ”مع حضور متواضع من النساء وبعض الشعبيين”.. ورغم أن قوات الأمن -سيما من الانجليز- كانت قادرة على عقر التظاهرة في مهدها إلا أنهم دأبوا على السماح للمتظاهرين بالسير بضعة كيلومترات والصراخ لتفريغ ما بجعبتهم من حماس وأنين، فإن ما أوغلت التظاهرة في سيرها وقاربت الخطوط الدفاعية للشرطة عاجلوها بالهراوات لتفريقها..

في الغرب عرفوا التظاهرات الصامتة التي تعب�’ر عن السخط بالتجمهر دونما هرج ومرج.. ويبقى أن التظاهرات وسيلة تعبير وتنفيس وعليه فليست لها صيغة مثلى؛ شريطة أن تتم وفق قالب حضاري لا يتم التعدي فيه على البشر والمنشآت.. على الطرف المقابل فإن الجهات الأمنية يُفترض فيها أن تتعاون لإخراج التظاهرة بشكل حضاري عبر التنظيم وعدم استخدام العنف.

في البحرين تحو�’لت التظاهرات من وسيلة تنفيس لوسيلة تأزيم وخلقت علاقة مليئة بالتوجس.. وقد استفحلت الأمور -وستستفحل أكثر- بسبب لبوس العنف الذي اصطبغت بها التظاهرات.. بالطبع في النزاعات نتحص�’ن بحكمة الطرف الأكثر مسؤولية والذي يُفترض فيه أن يكون الأمن في موضوع حديثنا..

فتظاهراتنا ليست تظاهرات نخبة ولا ”أفندية” بل هي تظاهرات صبية ويافعين محتقنين بما لا وارد لذكره هنا.. وعليه فإن الإفراط في العنف، بل والعنف من أساسه، يزيد طيننا بللاً ولا يبدو أنه يؤدي إلا لمزيد من العنف..

فاستخدام الرصاص المطاطي لمسافات قريبة تقل عن الـ40 مترًا -كما توصى الاتفاقيات الدولية- وبشكل مباشر وعشوائي أمر جلل.. فالرصاص المطاطي لا يجب أن يستخدم في مواجهة المدنيين أثناء الاضطرابات -كما يوصى الخبراء الدوليون- لأنه قد يؤدي للموت أو الشلل إذا أصاب منطقة حساسة من الجسم. 
كما أن استخدام رصاص الطيور ”الشوزن” أمر نكرٌ أيضاً..!!

فهذه الرصاصات ”التي هي عبارة عن رصاصات معدنية تنشطر لأجزاء صغيرة وتخترق الجلد وتقف قبل العظم” جد خطيرة لأنها تستقر في الجسد واستخراجها جد صعب ومازال بعض من أصيبوا بها في التسعينات يعانون من تبعاتها!!

إننا اليوم أمام محطة فارقة حق لنا أن نحبس أنفاسنا عندها.. والأحداث لن تنحو للأفضل إلا بقرار عالٍ من الداخلية تقرر فيه أولاً: عدم استخدام القوة، إلا للضرورة القاهرة.. ومنع استخدام الرصاص المطاطي والشوزن نهائياً في المواجهات مع المتظاهرين والاستعاضة عنه بوسائل أقل حدة كخراطيم المياه ذات الضغط العالي ”وليس الماء الساخن كما تفعل بعض الدول الشقيقة” أو قنابل الدخان أو القنابل الصوتية.. أو حتى عبر استخدام العصي، مستلهمين سياسة إسماعيل صدقي باشا الذي قال عشية ضرب مظاهرات فبراير 46: إننا شعب فوضوي تجمعهم صفارة وتفرقهم عصاية..!!

تلك كلها مسكنات بالطبع؛ أما إن أردتم الحل الذي سيريحكم من ”صداع” التظاهرات دائماً وأبداً.. فسنهديكم إليه غداً..