اجتماعية ناقدة: خالجتني مشاعر مختلطة وأنا أقرأ رسالتها المصاغة بعناية بالانجليزية.. كانت تتحدث عن تفكيرها المستمر في الانتحار وتدهور دراستها وصحتها لقلقها من أن تكتشف عائلتها المتدينة أنها “LESBIAN” كما وصفت هي نفسها.. رددت عليها برفق ناصحةً إياها بالتروي ومراجعة مختص وعدم الاستسلام لرغبات لن تحطمها وتنال من حياتها – إلا – أنها ترجمت لممارسات لا يقبلها الشرع ولا الفطرة السليمة. باختصار أرسلت لها رداً طويلاً مضجراً محاولةً كسر شوكة القنوط المغروسة في نفسها.. ثم عدت بعدها وقرأت رسالتها مجدداً – وحينها فقط- تنبهت لجملة عابرةً قالت فيها بأنها ”اختارت أن تفضي بسرها لي لما سمعتني أتحدث عن قدرة الفتيات على تغيير مصائرهن بالعلم والعمل.
حينها تملكتني الحيرة..إذ لم أذكر أني قلت ذلك قط أمام جمع اللهم إلا في مدرسة ابتدائية دعيت لإلقاء محاضرة فيها فلم أشأ رد الدعوة.. فعدت وسألتها مباشرة: كم عمرك؟! فأجابت: 12 سنة!!
وكيف عرفت أصلاً أنك شاذة وأنت في هذه السن – سألتها بدهشة- فأجابت: لأني لا أحب الأولاد وأحب صديقتي بجنون وأريد أن أبقى معها العمر كله!!
أصدقكم القول أني عندها وجمت وقلبت كفي استياءً.. فالفتاة – عفواً الطفلة- تعيش قلقاً نفسياً أدى لتدهور دراستها وحياتها جراء وهم صرف…!!
أمر طبيعي أن لا تحب فتاةٌ في سنها الأولاد.. وأمر طبيعي -جداً- أن يكون تعلقها بصديقاتها كبيراً عميقاً.. في زماننا كانت التلميذات يحببن بعضهن ويتعلقن بمعلماتهن أيضاً تعلقاً شديداً.. أذكر أننا كنا نرى تبادل الفتيات لرسائل المحبة ذات الملصقات اللامعة مع بعضهن؛ وكيف كانت الواحدة منهن تغار على صديقتها من الأخريات.. آنذاك.. لم تكن أي منهن تظن أنها شاذة ولم نكن نعي هذه الأمور أساساً.. أما الآن وبفضل هذه الحمى الإعلامية وما تنفخ فيه المسلسلات من صور ومفاهيم صار الجميع ينظر للأمور من زاوية مشبوهة ومريبة؛ وإن كانت بريئة وطبيعية تماماً..!!
نقول ما نقول لنطلق في هذا المقام دعوة لتدريس التربية الجنسية في المدارس بما يتناسب مع كل مرحلة عمرية ودراسية بما لا يخرج عن قيمنا الدينية والأخلاقية. فالزمن قد تغير؛ وصار هذا العالم مفتوح السماوات يعرض الأطفال والناشئة لمفاهيم أكبر منهم جُلها للأسف خاطئ ومع�’وج. وعدم توفيرنا لمعلومات حقيقية في مواجهة هذا المد�’ العاتي للمعلومات المشوهة هو بذاته مساهمةٌ منا في نشر ما هو مشوه وتمكينه من عقول الناشئة.
هذا وإن لم تتح الظروف الحالية الفرصة لتدريس مادة مستقلة بهذا المسمى؛ فليأت التوجيه على الأقل على هيئة محاضرات مبرمجة لطلبة المدارس تجيب على الأسئلة والهواجس بطريقة علمية ترفع اللبس وتجلي الهواجس.
ولمن يرون في هذه الدعوة فُحشاً وقلة حياء نقول إن الأزهر الشريف نفسه يدرس الطلاب من الابتدائية ؛ وضمن مواد الفقه الإسلامي؛ الأطر الحاكمة للجنس وما الطاهر والنجس والجائز والمحرم بأسلوب راق يراعي الحياء والعفة.. فما المانع من تدريسها هنا خاصةً وأنها جزء حيوي مهم من حياة البشر؟!