للوطن :
قد يسارع المفتون، وما أكثرهم، للقول بعدم جواز التصدق على من له راتب. بيد أنا نكاد نجزم؛ في ظل الظروف الحالية؛ أن كثيراً من البحرينيين العاملين يستحقون الصدقة بل وقطعاً من الزكاة أيضاً!
فمن يرى قوافل المتسوقين لرمضان وهي تقلب كفيها حسرة وتتبرم من هوجة الأسعار وتآكل المدخرات يدرك أن كل ما يقال عن النجاحات في محاربة الغلاء هو مزاعم تتبخر ما إن تلامس أرض الواقع.. نعم هدأت وتيرة الشكوى إنما لأن التجارة / الحكومة تخرس بعنف كل من يلومها على الغلاء؛ أضف لذلك أن الناس ملت وتشبعت من الوعود الحكومية ورضخت للواقع؛ إلا قليلا..!!
والحق أننا من الدول التي ترك الشعب فيها ليناطح غول الغلاء وحده – إلا من المكرمة التي أرهقت الناس صعودا- وقد أظهرت دراسة قامت بها شركة ”يوغوف سراج” بأن كلفة المعيشة في الخليج ارتفعت بنسبة 24% في 12 شهراً الماضية؛ ثم عادت وانخفضت في بعض الدول نتيجة لحزمة الإجراءات التي اتخذت والتي لم تكن البحرين إحداها..!!
فحكومة دبي مثلاً رفعت رواتب موظفيها 70% دفعة واحدة، وحددت سقف الزيادة السنوية على الإيجارات بنسبة 5%، ومنعت جزئيا تصدير بعض المواد الرئيسة، ووضعت لائحة بأسعار 200 مادة وسلعة غذائية لا يقبل زيادة أسعارها وهو ما كسر موجة الغلاء، أو على الأقل، جعل الناس أكثر تحصناً منها.
في الكويت سارعت وزارة التجارة بتكليف بيوتات الخبرة بإجراء دراسات، لا لتجميل الوضع وإنكار الأزمة، بل للوقوف على أبعادها الحقيقية: وقد رصدت تلك الدراسات ارتفاع أسعار بعض المواد بنسبة 339% وهو ما حذا بالوزارة لتوقيع مذكرة تفاهم مع سلسلة محال معروفة لتثبيت أسعار 32 مجموعة سلعية كمرحلة أولى؛ كما ودفعت الجمعيات التعاونية لبيع بعض السلع الأساسية بسعر الكلفة.
ولكي لا يقال إننا نضرب الأمثلة بالدول المقتدرة حصراً نأتيكم بمثال من موريتانيا. إذ أعلنت الحكومة الموريتانية عن رفع كل الرسوم الجمركية عن الأرز وبعض السلع الغذائية؛ وتثبيت سعر القمح وزيادة الرواتب بنسبة 10% وتخصيص 150 مليون دولار لمكافحة غول الغلاء.
كل ذلك فضلاً عم�’ا اتخذ من إجراءات في مجال إطباق الرقابة على الت�’جار الجشعين الذين تلاعبوا بالأسعار مستغلين هوجة الغلاء العامة. في البحرين هناك جهود بذلت ولكنها لم تحقق غايتها؛ إذ كيف تحل الحكومة مشكلة ما تفتأ تنكرها وتتبرأ منها وتحيلها لعوامل خارجية؟!
إن ما رددته الحكومة من تبريرات خارجية للغلاء كان بمثابة هدية قدمت للتجار الذين استغلوا هذه الذرائع لتوسيع هامش ربحهم عما كان. دليل ما نقول ارتفاع أسعار بعض السلع المحلية ”غير المستوردة” واختلاف أسعار البضائع من منفذ بيع لآخر.. كل هذا مؤشر على أن تجارنا – وسعوا – هامش ربحهم رغم احتدام الأوضاع. مؤخراً فقط رفعت سلسلة محال أسعار كل بضائعها بـ25 فلساً بمناسبة رمضان.. بالطبع المحال عندنا غير ملزمة بذكر السعر على المنتج وغير ملزمة بالالتزام بالأسعار المعلنة لذا فهي تسجل على المنتج سعراً فيما تبيعه بآخر في مخالفة صارخة لكل النظم العالمية القاضية بحماية المستهلك!!
نقول.. بلادنا عالجت الغلاء بشكل سيئ؛ وعدت بتطبيق فكرة الشراء الجماعي للسلع الاستهلاكية وتشديد الرقابة واستحداث البرامج ولكنها لم تفِ بعد، رغم أنها محاطة بنماذج ناجحة ولكنها تأبى أن تستقيها لسبب غير معلوم.