اجتماعية ناقدة:  في حوار جمعني بأحد وجهاء القرى من ذوي الكلمة المسموعة والمقربين من السلطة، وجدتني أحيل زيارةً هدفها التحايا والمجاملات لوماً وتقريعاً، إذ قلت بلهجة لا تخفي امتعاضها: مرت 5 سنوات على زيارتي لمنطقتكم ولا أرى إلا أن حالها ازداد تردياً! لِمَ لا تطالبون لمناطقكم المقفرة هذه بملعب .. بمكتبة .. بشوارع مسفلتة لا تؤذي الإطارات .. بإنارة .. بترميم للمنازل أو طلائها على الأقل كي لا تبدو كقندهار أو عكا..!! . لِمَ لا تحملون في لقاءاتكم مع كبار المسؤولين – الذين يوقرونكم ويقدرونكم – تلك المطالبات كما يفعل غيركم؟! ولِمَ لا تحملون قوائم بالعاطلين والمعوزين من أهل مناطقكم لهم علكم تنتشلونهم من هذا الشتات الذي يعيشون..!!
وماذا عن نوابكم – أردفت – نحن بحاجة لنواب تشريعات ينهضون بدور الرقابة والمحاسبة، نعم .. ولكنَ�’ا بحاجة – أيضاً – لنواب خدمات يسعون لأوضاع أفضل لهؤلاء الناس الذين يصعب حالهم على الناظر. ما الذي يحجزكم يا ترى .. أهو الخجل مثلاً..؟ أم أنكم تطلبون فلا تجابون؟! 
تبدلت ألوان الحضور وكأني بما قلت نكأت جرحاً دونما سابق إصرار..!!

بسؤال أجاب كبيرهم على سؤالي قائلاً: وكيف نفرد مساحة للمطالب المعيشية وكل لقاءاتنا مع ذوي القرار مختطفة لصالح مطلب واحد ومطلب واحد فحسب .. أفرجوا عن هذا وأطلقوا سراح ذاك؟! إننا بالفعل نحمل لذوي القرار قوائم بأسماء الشباب – لا لتوظيفهم ولا لترميم بيوتهم – بل للمطالبة بالإفراج عنهم .. ماذا نفعل؟!! لا يكاد يمر أسبوع هنا إلا ويقبض على شباب لحرقهم مولدات كهرباء .. لحرق إطارات أو حاويات .. لتماسهم مع رجال شرطة، وجل هؤلاء فتية صغار السن يقصدنا آباؤهم باكين متوسلين، وبدورنا نحاول ما أمكن للدفع لعدم توجيه تهم لهم أو للإفراج عنهم .. وهذه هي ”شغلتنا” الوحيدة منذ عامين للآن!!

– العيال عيالكم – قلت لهم بعد أن تلطفت تعاطفاً مع ما قال – انصحوهم، وجهوهم ليلتفتوا لمستقبلهم .. السنوات تمضي والعجلة تعود بمناطقكم للوراء فيما تنهض باقي المناطق بخدماتها وأبنائها .. أيعقل أن لا تمر عطلة نهاية أسبوع إلا وشوارعكم قد غرقت في الظلمات جراء حرق المولدات..!! أيعقل أن لا يمر المرء على مضاربكم إلا ويجد أجياب الشرطة تطوق المكان وكأنك وسط استنفار أمني من نوع ما..!! 
من يزور مناطقكم لا يكاد يصدق أنه في دولة نفطية – قلت – ولا في العام 2009 أساسا .. لبوس الضياع الذي يكسو نظرات شبابكم – وحده – يدمي القلب .. هؤلاء طاقات معطلة، جواهر تنتظر الصقل: تحتاج توجيهاً منكم؛ ليساعدوا أنفسهم على النهوض بأوضاعهم، وتحتاج لمن يفتح لهم الباب ليخرجوا من القمقم الذي دفنوا فيه..

تلفت الحاضرون، وقالوا ما لم أكن أتأمل سماعه .. نعم إنهم يخشون أن ينطقوا بذلك لئلا يتحولوا بين يوم وليلة لأعداء وخونة وعملاء.. فهم مقبولون في مناطقهم كشخصيات من أسر عريقة لها تاريخها – فقط – لطالما امتنعوا عن التواجه مع تيارات التأزيم التي استعمرت وعي الجماهير المحتقنة!!

نقول: إننا اليوم بحاجة لجرد حساب .. لتدقيق في كشوف السنوات الخمس الماضية واستحقاقاتها .. بالأرباح والخسائر والمدفوعات .. لا أحد يطالب بتوقف عجلة المطالب؛ لأن المطالبة بالتغيير هي وقود الأمم، ولكننا نقول إن الوقت قد حان لنضع الإطارات جانبا .. ونترك محولات الكهرباء ”في حالها” .. ونبعد شبابنا عن القضبان .. ونلتفت لغدنا قليلاً..