اجتماعية ناقدة:  رغم أن بنوداً عدة في الدستور أفردت للحديث عن خصوصية الأفراد وحماية أسرارهم الشخصية، إلا أن تلك المبادئ تنتهك كل يوم على أرض الواقع من قبل مؤسسات الدولة التي تؤتمن على خصوصيات المواطنين.

مشاهد ميلودرامية عدة تتكرر في هذا السياق، أقل ما توصف به بأنها تضحك الثغر؛ وتدمي القلب:
زوجة تكتشف، أثناء زيارتها لاستخراج البطاقة الذكية، أن زوجها متزوج بأخرى ولديه أطفال وتمنح عنوان شقته الأخرى طوعاً! أختٌ تتقدم برسالة سرية لأموال القاصرين تطالب فيها بالتحقيق في شكوك تحوم حول إدارة أخيها الأكبر لبعض ممتلكاتهم فتفاجأ بأن الرسالة تسربت ليد العائلة بأكملها ما دق إسفين، خلاف شق الأسرة إلى خندقين! زوج يستخرج من إدارة التسجيل العقاري نسخاً ضوئية من وثائق ملكية لعقارات تملكها زوجته وأهلها ليبتزها في قضية خلع!

والبقية تأتي ويطال الذنب كل وزارات الدولة ولا يذ�’ر: ثري يتوفى فتتسرب تفاصيل تركته والفريضة الشرعية من أدراج وزارة العدل! خطيب طامع تكتشف الفتاة منه أنه قد علم براتبها الضخم – سلفاً – من خلال صديق له في هيئة التأمينات الاجتماعية! سيدة عانت من مضاعفات عملية «شد وجه» أجرتها في الخارج فدخلت مجمع السلمانية الطبي ذات عشية فتسربت تفاصيل عمليتها – التي يجهلها حتى المقربون – لأهالي منطقتها من خلال ممرضة تقطن الحي ذاته! رجل سافر – سراً – للمغرب وادعى أمام زوجته أنه في رحلة عمل للهند، فكشفت الزوجة زيفه من خلال صهرها الموظف في الجوازات! سيدة تتقدم بشهادة طلاقها (غير المعلن) لوزارة العمل لإنهاء معاملة فتكتشف أن الخبر الذي كتمته لسنوات، انتشر في غضون أسبوع!

نماذج وحكايا كثيرة أبطالها هم ضحاياها.. قد يرى البعض خيراً في تسرب «بعض» المعلومات أعلاه، ولكننا هنا نتناول مبدأًً صريحاً.. هناك واجب على مؤسسات الدولة وموظفيها العموميين أن يحفظوا أسرار الخلق التي يؤتمنون عليها.. وتلك المعلومات التي يقدمها البعض في سبيل إنهاء بعض المعاملات ليست ملكاً مشاعاً للجميع، ولا حق للموظفين أن يطلعوا عليها وينشروها.

قد يقول قائل: لكن تلك مسألة لا يمكن ضبطها أو تقويضها، وذلك غير صحيح. لن نضرب هنا مثالاً بدول أخرى، بل سنأخذ مثالاً من لدنا، فليست الوزارات وحدها من تملك المعلومات، بل هناك البنوك التي لا تقف على أدق تفاصيل الدخل والممتلكات قبل منح قرض مثلاً، ناهيك عن قدرتهم – عبر التعاملات بالفيزا – أن يعرفوا أين تناولت عشاءك وبكم اشتريت شنطتك وماذا حولت وماذا تسلمت! المستشفيات الخاصة بدورها تملك تفاصيل دقيقة عن مرضاها ولكنها قلما تتسرب، وكذا الأمر بالنسبة إلى شركات الاتصالات.. أتعلمون لماذا؟!

واقعاً، النظام في – البنوك وشركات الاتصالات مثلاً – صارم جداً.. أحقية الدخول على البيانات – ابتداء – محصورة في أقسام بعينها.. وليس لموظف أن يطلع على تفاصيل »فاتورة« من دون أن يدخل رقمه السري الخاص أولاً، وهو ما يسهل – في حال ما تقدم أحد بشكوى – معرفة من زار الملف الشخصي للعميل وفي ظرف ثوانٍ.. عندئذ يمكن للمسؤول بيسر أن يفن�’د الزيارات المبررة من تلك التي وقعت بهدف التجسس!

بالطبع قلما تذهب الأمور لهذا المنحى لسبب جلي.. أن معرفة الموظف أن احتمال كشفه عالٍ جداً، وبالتالي خسارته لوظيفته، هو في ذاته سد منيع في وجه مثل هذه الخروقات.
ربما لا يكون هذا متأتياً في كثير من إدارات الدولة؛ لأنها مازالت »جير عادي« ولم تدخل عصر التكنولوجيا بعد.. ولكن المتأتي الآن هو على الأقل، نشر ثقافة حفظ أسرار العمل، والتأكيد على ما قد يسببه التماهي في تلك الأمور من ضرر للعائلات ومصالح الناس.. كما يجب تحذير الموظفين من مغبة انتهاك الخصوصية، والتعامل بجدية مع الشكاوى الواردة حيالها