اجتماعية ناقدة : لأسباب يصعب تفكيكها؛ تستطيع التفريق – بالعين المجردة- بين موظف الحكومة وموظفي القطاع الخاص.. من طريقة حديثهم؛ من نصب قامتهم؛ في طريقة ملبسهم ومشيتهم !! لا نرمي للانتقاص من أحد بالطبع ولكنها الحقيقة التي لا نعرف كيف نشخصها أو نو�’صفها بدقة.. الحقيقة الثابتة أن هناك شيئا ما مختلفاً في موظفي القطاع الخاص ” بطبيعة الحال لا نعني هنا المطحونين ذوي الوظائف الهامشية بل ذوي المهنية والقرار” وهناك شيئا ما يبدو مفقوداً؛ يبدو مكسوراً.. في السواد الأعظم من موظفي الحكومة..!!
ربما هي مسحة الإحباط التي تدهن وجوههم جراء غياب نظام التحفيز في الدوائر الحكومية والذي يقتل طموح موظفي القطاع العام.. فنظام الترقي العقيم ، المبني على تعداد سنوات العمل والشواغر/ والواسطات التي تتدخل في توزيع الشواغر، يقتل الطموح في موظفي القطاع العام الذين يدركون تماماً أن ” من يعزي، وحتى ذلك الذي لا يعزي” سيأكلون جميعاً من عيش الحسين !!
أو ربما هو الروتين الذي يجعل الغد كالأمس.. وشهر يناير كنوفمبر.. وربما هي معرفتهم أن الزيادة ” ومتوسطها 15 ديناراً سنوياً” هي ثابتة في الراتب إلى ما شاء الله وأن السبيل الوحيد للقفز من طبقتهم الاجتماعية لأخرى هي السقوط في مستنقع المحظور أو الفوز ببطاقة يانصيب رابحة أخطأت آسيوياً ووقعت في حجرهم.. أو قد يكون السبب معرفتهم بأنهم محاصرون في الوظيفة ذاتها لـما تبقى من حياتهم.. لا ندري؛ حقاً لا ندري تحديداً ما هي علتهم ولكن نستطيع – على الأقل- رؤية التالي: شيئاً ما مكسور في رواحهم ومعنوياتهم: شيئا ما يجعل الهندام قبل الذهاب للعمل ترف.. والابتسام في وجه المراجعين عبئا.. والبذل في سبيل تخليص أكبر كم من المعاملات؛ تحد لا طائل منه !!
في المقابل فإن القطاع الخاص ملعبٌ لذوي الطموح ” ولا ندري علام هذه الاستماتة من الخريجين الجدد على سواه” ففي القطاع الخاص يستطيع محاسب أن يتوظف ابتداء براتب 500 دينار ويقفز بدخله لـ4 أضعاف هذا المبلغ بعدها بسنوات معدودة.. هناك محاباة ومحسوبية في القطاع الخاص أيضاً وهناك تكتلات وعصابات تستحوذ على بعض الوظائف بل وقطاعات بأكملها ولكن، ورغم ذلك كله، هناك دائماً طريق برحٌ معبد لذوي الكفاءات والإنتاجية العالية – بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى- يقابله في القطاع العام ” زرنوق” ضيق: بالكاد تنفذ منه كفاءة بين الحين والآخر..!!
ومن أسرار نجاح القطاع الخاص أيضاً عدم الالتفات لعامل السن الذي أردى العمل الحكومي ملياً.. والمتصفح لملاحق الاقتصاد في الصحف يستطيع أن يرى بجلاء كيف يهيمن الشباب على مجالس إدارات كبريات الشركات في الداخل والخارج ” وبعضهم لم يعدو العقد الثالث بعد”.. ولو كان هؤلاء – ذاتهم- قد زرعوا في الوظائف الحكومية آنفاً لانتهت صلاحيتهم وهم ينتظرون فرصة لإثبات أنفسهم وقدراتهم..!!
علامة أخرى فارقة في موظفي الحكومة المكسورين تتعلق بالقدرة/ الرغبة في اتخاذ القرار.. فمسؤولو الحكومة – ولا نتحدث عن صغارهم فحسب – يخشون اتخاذ أي قرار، أي قرار، ولو كان ضمن صلاحياتهم وقدرتهم خشية التعرض للمساءلة.. فكثير من مؤسسات الدولة ، تعامل الموظفين على أنهم أطفال وتمنعهم من الخطأ وتتوعد المخطئين بالعقاب الأليم ولا تمنعهم عن التقصير والاتكالية وتقاذف المعاملات والمراجعين بينهم.. والنتيجة هي ما نراه الآن: رتم عمل أقل ما يوصف به بأنه رتيب؛ غير مجد ولا فعال ..
إن الحكومة، ولتصعد لمصاف الحكومات عالية الأداء والإنتاجية؛ عليها أن تعيد النظر في كل شيء:سياستها مع موظفيها؛ رواتبهم؛ معايير الترقيات وتوزيع المسؤوليات.. ولديها تجارب قريبة لتستلهم منها في الداخل ومن دول الجوار هذا.. إن توفرت النية الجادة لذلك بالطبع..